إبراهيم داود

الشفرة المصرية

الخميس، 31 أكتوبر 2013 10:24 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أتابع بشغف طفولى تداعيات التنصت الأمريكى على زعماء العالم ومكالمات سكان الكرة الأرضية. أتابعها وكأننى أشاهد فيلما خفيفا دخلت السينما له تضييعا للوقت، توقفت كثيرا أمام الـ1.9 مليار مكالمة تليفونية التى تمت مراقبتها فى مصر خلال شهر، وهى مكالمات لا تخلو من غزل وعتاب وغضب وشحن ومبيدات حشرية وكشرى وصوابع وبلح وباكتات وفراولة ودستور ومؤامرات موظفين وتفاصيل أفراح ومآتم وكنافة بالمنجة، وألغاز يعجز إبليس عن استثمارها. وأتساءل: ما الذى تريد أن تعرفة أمريكا المفترية الظالمة الفجة الجلياطة عن مصر، وعملاؤها فى كل مكان، وتدفع بهم إلى المناصب العليا، وتفتح لهم مراكز بحثية على كل لون، تبدأ من الختان وتنتهى بالتطبيع مع العدو، وحقوق الأقليات والديمقراطية والمشاركة السياسية؟.. ماكينتهم العملاقة وجواسيسهم وخدمهم لم يتوقعوا ثورتين مصريتين ملهمتين فى أقل من ثلاث سنوات، رغم فدادين المعلومات المزروعة فى الغرفة الصغيرة فى وكالة الاستخبارات السينمائية.
المدهش بالنسبة لى وأنا أشاهد الفيلم هو المساحات التى التى فردتها الصحف عن الموضوع، والتى لو خصص %1 منها لمناقشة أزمة مياه الشرب فى قرى بركة السبع، لشفى آلاف مرضى الكلى والكبد. وكيل أسبق فى جهاز سيادى قال لـ«الوطن» أمس الأول إن مسؤولى الاستخبارات الأمريكية تعجبوا من قبل من صعوبة اختراق الشفرات المصرية الخاصة بالمسؤولين، وأن شفرة «عوكل» المصرية لا يمكن اختراقها. وقال وكيل أسبق آخر-مطمئنا المواطنين- نمتلك خامس أقوى جهاز مخابرات على مستوى العالم، ونقترب بشدة من المركز الرابع. الصحافة الإسرائيلية قالت إن تل أبيب تنافس أمريكا على المركز الأول فى موضوع التنصت، الرجلان يعرفان أكثر لا شك، وثقتى فى خيال المصريين وجهازهم المناعى تجعلنى أطمئن، وأتساءل: «لو جلس أوباما مع الـ120 ألف موظف يشتغلون فى التنصت واستمع إلى الشخص الذى يأكل كشرى بيد وبالأخرى يحمل هاتفا فى محطة أتوبيس الكوم الأخضر ويقول للطرف الآخر أنا عايز أوباما وبتاع قطر وأوردوخان متكتفين فى ميكروباص بكرة فى الطالبية»، هل سيرسل قواته؟.. رجال القانون لهم آراء سديدة متناقضة، أحدهم أستاذ قانون جنائى: تجسس أمريكا على 15 دولة منها مصر ليس جريمة، ولا يمكن رفع دعوى قضائية من حيث المبدأ، لأنه لا يوجد شخص بعينه ارتكب هذه الواقعة، ولأن المسؤولية الجنائية سطحية، ولا يمكن مقاضاة دولة قامت بالتجسس أمام المحاكم المصرية أو المحكمة الجنائية الدولية. وهناك من قال إنه يجب التأكد من التجسس وإثباته، وبناء عليه يحق لكل مواطن مصرى «عنده تليفون» رفع قضية على الولايات المتحدة الأمريكية بسبب الاعتداء على خصوصياته، وبسبب مخالفتها «الأخلاق الدولية الحسنة». المجرمون فى السينما الأمريكية هم أكثر الناس كلاما فى الأخلاق، ولهذا عندما تقرر الإدارة اغتيال بلد مثل العراق أو أفغانستان أو فلسطين، تبدأ فى الحديث عن الأخلاق والديمقراطية. فى فيلم التنصت لم يركز المخرج على المكالمة التى دارت بين ميركل الألمانية والرئيس الأمريكى، بعد أن نشرت «دير شبيجل» خبر التنصت على تليفوناتها، هى فى الحقيقة قالت له غاضبة «ينفع كده؟»، رد عليها مغلفا صوته بابتسامة زرقاء وبصوت يبدو مندهشا: «اللى قال الكلام ده عايز يوقع بينا، وبعدين ليه أعمل كده؟»، وجر الحوار إلى سوريا ومصر، وربما ليبيا، وهى تحرك رجلها اليمنى بتوتر وتفكر فى إجابة قوية.. وفى النهاية قالت بحسم: «ميصحش الأصدقاء يتجسسوا على بعض يا باراك» وقفلت السكة.. سيما أونطة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة