مشهد 1
منذ ما يقرب من خمس سنوات شاهدت فيلم In Bruges الذى أنتج عام 2008، والذى قام ببطولته كولن فاريل، وبريندن جليسون، ورالف فاينس، وبرغم أن هذا الفيلم درامى بوليسى، يدور حول عالم الجريمة وأسرارها ومواثيقها السرية والأخلاقية، فإننى منذ أن شاهدته وأنا أحلم بأن تكون لدينا مدينة مثل «بروج» تلك المدينة البلجيكية التى مازالت تحافظ على سمتها التاريخى، بأبنيتها العالية، وساحاتها الواسعة، وبحيراتها الممتدة.. تابعت أحداث الفيلم الجذابة وعينى على تلك الآثار الفخمة التى لم يستطع الزمان تغيير ملامحها، ولا تبديل هويتها.
مشهد 2
إذا ما حاولت أن تبحث عن أهم المزارات السياحية فى ألمانيا، ستجد أن سور برلين يعد من أشهر هذه المزارات التى يحرص كل زائرى ألمانيا على مشاهدتها.. انظر إلى صور هذا السور، تأملها جيدا، حاول أن ترى فيها للفخامة ملمحًا، أو للتاريخ عبقًا، ثم حاول أن تبحث من خلال محرك البحث «جوجل» عن صور لسور الصين العظيم لترى العظمة متجسدة فى سور، وترى مظاهر الفخامة والسمو والارتقاء محاطة به كالهالة الجليلة، وانظر إلى عدد السائحين الذين يتوافدون على هذا السور كل يوم لتعرف كيف يتقن الآخرون صناعة البهجة والإبهار.
مشهد 3
لا تحاول أن تقارن بين ما حدثتك عنه منذ قليل، وبين حى «السيدة عيشة» فى القاهرة.. فلقد صرخنا مرارًا وتكرارًا مما يحدث لهذا الحى العريق من تدمير ممنهج، وتخريب عميق.. حاول فقط أن تزيح مشاهد تلال القمامة المنتشرة بجوار سور مجرى العيون الذى لا يقل أهمية وعظمة عن سور الصين العظيم، وبجانبه لا يصح أصلاً أن نذكر سور برلين، وحاول أن تمر إلى حى «السيدة عيشة» عبر هذا السور دون أن تجرح عينيك بمشاهد الباعة الجائلين والشحاتين أمام مدخل «الإمام»، وحاول أن تتجاهل كيف تقازم سور مجرى العيون الذى أنشأه صلاح الدين الأيوبى لإمداد قلعته بالمياه، وتطاولت العشوائية حتى أصبح المكان مقززًا، واصعد إلى كوبرى «السيدة عيشة» لترى كيف غاب مشهد القلعة بجلالها وفخامتها عن عينيك فى وسط هذا الركام البشرى القمىء، ثم انظر إلى يمينك لتجد مدخل حى «الأباجية» كئيبًا مريبًا برغم أنه يطل على بقعة من أجمل بقاع العالم، وتقدم أكثر إلى شارع صلاح سالم لترى كيف أهدرنا آثارنا ودنسناها وضحينا بآلاف المليارات التى كان من الممكن أن تستفيد بها الخزانة المصرية إذا ما تم تطوير هذه المنطقة، والحفاظ على آثارها لتصبح نسخة متقاربة من مدينة «بروج» البلجيكية.
مشهد 4
فى حى المطرية توجد مدينة أثرية فريدة من نوعها، اسمها مدينة «أون»، كانت تحتضن أقدم جامعة فى تاريخ البشرية، وفيها تعلم أنبياء الله مثل «موسى ويوسف» عليهما السلام، وتعلم فلاسفة العالم مثل أرسطو وأفلاطون، تلك المدينة الآن تتآكل بفعل اعتداء الأهالى والمحافظة عليها.. أحد الجاهلين برتبة رئيس حى فى أيام حكم مرسى أراد أن يحولها إلى سوق أغنام، 54 فدانًا تكفى لصنع مدينة أثرية شامخة، ومن الممكن أن تصبح أشهر مزارات العالم فى بضعة سنوات إذا ما امتدت إليها يد التطوير، وبها ما يكفى من المساحة لعمل محاكاة للجامعة القديمة، ومتحف مفتوح ونموذج للحياة الفرعونية، وببساطة يمكن ربطها بأهرامات الجيزة بواسطة الطريق الدائرى القريب منها.. تخيل فقط أن هناك يدًا تعمل، وعقلاً يفكر، وإرادة تنفذ لترى الرغد الذى سيعيشه أهل هاتين المنطقتين فحسب، ولترى مصر الحقيقية التى غرقت فى العشوائية، ولتعرف أننا نملك عشرات المدن التى تستحق أن تكون أجمل وأروع ألف مرة من مدينة «بروج».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة