كان لى شرف لقاء الفريق أول محمد فوزى الذى أسند إليه جمال عبدالناصر مسئولية إعادة بناء الجيش المصرى بعد نكسة 5 يونية 1976 باختياره وزيرا للحربية، ومعه الفريق عبدالمنعم رياض رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة، والذى استشهد فى مواجهة مع إسرائيل يوم 9 مارس عام 1969، وخرج أكثر من مليون مصرى يتقدمهم جمال عبدالناصر فى جنازته.
تعددت لقاءاتى بالفريق فوزى الذى منحه رئيس الجمهورية قلادة الجمهورية ووسام النجمة العسكرية، وكانت فى حوارات صحفية بدأتها معه، عام 1987 فى مسكنه بمصر الجديدة، وأذكر أننى وفى أول اتصال تليفونى به، أخضعنى لاختبارات شملت ما إذا كنت قارئاً أم لا، وهل أعرف عنه ما يكفى؟ ولما اجتزت الاختبار بنجاح خاصة تأكده من محبتى لجمال عبدالناصر، أعطانى الموافقة، فتعددت اللقاءات، وفيما بعد كان بعضها سياسياً.
استمعت منه لقصة إعادة بناء الجيش، حتى خروجه من منصبه يوم 15 مايو عام 1971، بعد خلاف نشب بين الرئيس السادات وقيادات عملت بجوار جمال عبدالناصر، وانتهت بوضع هذه القيادات فى السجن بعد محاكمة هزلية، واشتهر هذا الحدث إعلامياً بـ«ثورة التصحيح»، وحوله السادات إلى مناسبة قومية حتى تم إلغاؤها فى بدايات عهد مبارك.
كان الفريق فوزى واحدا من هؤلاء، لكن السادات خضع لمطلب الجيش المصرى برفض محاكمة الرجل الذى أعاد بناء الجيش، وقاد عسكرياً حرب الاستنزاف المجيدة، وقبل هذا كان قائداً للكلية الحربية لأكثر من عشر سنوات وتخرج على يديه أجيال كثيرة من ضباط الجيش المصرى، ثم رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة، واكتفى السادات بوضعه تحت الإقامة الجبرية، وظل فى منزله يقرأ، ويكتب مذكراته العسكرية التى ظهرت فى نهاية الثمانينيات ومطلع التسعينيات من القرن الماضى فى ثلاثة أجزاء، كشف فيها عن أسرار كثيرة، أثار بعضها الجدل خاصة ما كشفه عن أن خطة حرب أكتوبر وضعها عبدالناصر تحت اسم «جرانيت 200»، لكنه توفى قبل تنفيذها.
وبالرغم من أن قصة إعادة بناء الجيش المصرى، وإعداده لحرب أكتوبر ترتبط ارتباطا وثيقا باسم الفريق فوزى كوزير للحربية، إلا أن اسمه لم يذكر أبدا بعد انتصارات أكتوبر 1973 وظل الأمر كذلك طوال فترة حكم السادات، وواصل مبارك نهج التجاهل، بالرغم من أن فوزى كان أستاذه فى الكلية الحربية، حتى خصه مبارك بالذكر فى أحد خطاباته فى سنوات حكمه الأخيرة.
كان التجاهل الرسمى العمدى لهذا البطل العظيم كان يتم عن قصد، لأن ذكره سيعنى ذكر ريادته العسكرية فى بناء الجيش الذى انتصر فى حرب أكتوبر 1973، مما يعنى بالطبع الفضل لجمال عبدالناصر الذى حدد له هذه المهمة وكان يباشرها لحظة بلحظة، ولأن العمل على تشويه مشروع جمال عبدالناصر كان يتم على قدم وساق، ظل تجاهل دور الفريق فوزى من النماذج التطبيقية الصريحة لهذا، وأذكر أننى سألته ذات مرة، عن شعوره وهو يتابع الجيش الذى قاده ودربه، وهو يحارب معركته الجليلة فى 6 أكتوبر، بينما هو خارج الميدان يجلس فى منزله تحت الإقامة الجبرية، فصمت للحظات، وأخذ نفساً عميقاً من سيجارته وأدار عينيه بعيداً عنى قائلاً: «صدقنى لو قلت لك كان نفسى أكون جندى بيحمل السلاح».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة