دوما ستجد من يحدثك عن الثعالب الصغيرة التى تفسد الكروم، ومن تكرار التأكيد على خطورة هذه الثعالب الصغيرة تظن وكأنها ترسم مصائر الناس وتتحكم فى مشاريعهم المستقبلية وخططهم للحياة.. فى الواقع وطبقا لمعطيات الأحداث اليومية تحركات الثعالب الصغيرة التى تبدو فى بعض الأحيان مجرد لهو أو أخطاء ساذجة نجحت فى إفساد المشروعات والطموحات الكبرى.
هل تعرف أصلا ما هى الثعالب الصغيرة التى تفسد مزارع الكروم ومحاصيل العنب؟!!
فى سفر النشيد يقول الرب: (غنوا للكرمة المشتهاة. أنا الرب حارسها، أسقها كل لحظة.. أحرسها نهاراً وليلاً» (أش 27: 2، 3). الثعالب الصغار تفسد ثمر الكرمة، أى أنها تفسد ثمر الروح فى النفس البشرية (غل 5: 22، 23).
فى تفسير الإصحاح الثانى والثالث من سفر نشيد الإنشاد للبابا شنودة يقول إن الثعالب الصغيرة هى الخطايا التى تبدو بسيطة ولا يلتفت إليها الإنسان ولا يشعر بخطورتها.. مجرد أفكار ومشاعر قد لا تتخذ فى بادئ الأمر صورة الخطيئة، ولا هى تتعب الضمير، وخطورة هذه الخطايا الصغيرة، أن الإنسان يهملها، يتركها فتكبر وتتطور، دون أن يحسّ، وقد يحسّ متأخرًا، عندما تكون قد أفسدت الكروم.. باختصار شديد يمكنك أن تجمل الأمر فى الكلمات الآتية: «الخطوة الأولى المؤدية إلى الخطيئة، ربما لا تكون خطيئة، ولكن توابعها ربما تمثل جبلا من الخطايا يهوى فوق رؤوس الجميع».
لماذا نتكلم أصلاً عن الثعالب الصغيرة التى تفسد الكروم؟
الثعالب البشرية الصغيرة ضئيلة الحجم، ضعيفة المكانة ولكنها أكثر قدرة على الإفساد والتدمير.. إفساد خطط الأوطان السياسية، وتدمير كل الفرص المتاحة للتقدم والعمل فى هدوء، من أجل هوى نفسى أو مطمع فى رضا سلطة، أو بسبب طبيعة المناصب التى لا تجتذب لكراسيها سوى كل ساذج أو ضعيف نظر لا يرى أبعد من وضع قدميه..
وما علاقة كل ما سبق من ثعالب بشرية وحيوانية وكروم وأعناب بما يحدث فى مصر الآن؟
أقول لك يا سيدى، بل أطلب منك أن تنظر إلى ما فعله محمد عزت عجوة محافظ كفر الشيخ، حينما تشملل وأعلن أنه قام بالتوقيع على استمارة ترشيح الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع لرئاسة الجمهورية، سيادة المحافظ لم يراع ظروف منصبه السياسى ولم تؤهله خبرته أو ثقافته أو أفكاره لإدراك طبيعة الوضع السياسى القائم والظروف المرتبكة التى تعيشها مصر، وتسعى خلالها القوات المسلحة والرئاسة لنفى كل رغبة فى التمسك بالسلطة أو إعادة زمن الحكم العسكرى، لم يفهم سيادة المحافظ أى شىء وظهر فى الصور وهو يوقع على استمارة ترشيح السيسى وكأنه يمنح الإخوان هدية من السماء لترويج الصورة وكأن الدولة بدأت الحشد لعودة الحكم العسكرى مرة أخرى..
محافظ كفر الشيخ ثعلب من النوع البلدى لا يتمتع سوى بمكر الموظفين والموالسين، أراد أن يبهر رؤساءه بتمجيد وزير الدفاع دون أن يدرى بأنه يمنح خصومه هدية كبرى..
محمود أبوالنصر وزير التربية والتعليم ضرب هو الآخر نموذجاً ومثلاً فى كيف يتحول الكائن البشرى إلى ثعلب صغير غائب عن الوعى ومكره السياسى لا يتعدى مستوى مكر فيل فاقد الذاكرة، السيد الوزير خرج ليحتفل بذكرى نصر أكتوبر وفى يده علم مصر.. منتهى الوطنية والجمال طبعاً..
لكن فجأة تحول سيادة الوزير إلى ثعلب غير ماكر وحمل صورة الفريق السيسى مثله مثل الجماهير العادية، لاحظ يا عزيزى أن وزير التعليم حمل صورة وزير زميل فى مجلس الوزراء وسط جماهير تطالبه بالترشح لرئاسة الجمهورية فى ظل أجواء سياسية محتقنة وتتربص بالفريق السيسى وتحركاته فى محاولة للبحث عن أى ثغرة تدعم ادعاءات الإخوان فى أن الجيش يريد السيطرة على الأمور وأن الحكومة تعمل بعقلية عسكرية.
وبعيداً عن معركة ترشح السيسى للرئاسة أم لا، يبقى ملخص الأحداث أن ذكاء محافظ كفر الشيخ ووزير التربية والتعليم يشبه إلى حد كبير وربما يكون أقل من مستوى ذكاء الدبة التى قتلت صاحبها وهى تظن أنها تحميه من ذبابة، ومع وجود عقول بهذا الحجم وهذا الضعف أمام الهوى والرغبة فى نفاق السلطة والرأى العام تحين لحظة وضع اليد على القلب خوفا على مصير المرحلة الانتقالية..
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة