الخلط الدائم بين السياسة والثورة والدولة يخلق ما يسمى المزايدة التى تتبعها الأطراف المختلفة، ويتحول معها الخلاف والمنافسة إلى اتهامات، ضمن عدوى تحويل الخلافات السياسية إلى اتهامات وتكفير فى الدين أو الوطنية. ومن أكثر أمراض الأحزاب والحركات السياسية عموماً واليسارية على وجه الخصوص هو اللجوء لإصدار أحكام نهائية وقاطعة على المخالفين بأنهم خونة أو على الأقل عملاء لأجهزة الأمن أو الأجهزة الغامضة، وهى اتهامات كلاسيكية لا يعلم من يطلقها أنها تصيبه مثلما تصيب غيره، خاصة إذا كانت بلا سند.
ومنذ ثورة يناير رأينا عددا من نجوم الثورة، أكثر مما رأينا ثوريين. نجوم يحصلون على نجوميتهم ليس من فعل، وإنما من القدرة على الظهور الإعلامى واحتلال أكبر مساحة من البث الفضائى والإلكترونى. وهم نجوم مشهورون أكثر من أعمالهم. ومن أجل أن يبدو الواحد منهم ثوريا عليه أن يكرر فى حديثه «الثورة والشهداء»، ويعتبر كل من يختلف معه «فلول» ونظام سابق وثورة مضادة، والمزايد يتصرف مثلما كان نظام مبارك يفعل، ونظام الإخوان.
النجم يعتبر نفسه «ثورة»، وأى اختلاف معه هو اختلاف مع «الثورة» وهو عين ما كان يفعله نظام مبارك ومن بعده مرسى فى مواجهة أى نقد، عندما كان يعتبر نفسه مصر.
هناك من تربحوا أو تاجروا أو حصلوا على الشو الثورى، بعضهم تساقط فى الطريق أو كشفته السلطة وألعابها، والبعض مازال يلعب، وكل من ادعى أنه وحده صانع الثورة أو القادر على الحشد انتهى، وأثبتت التجربة أن الشعب فى يناير أو يونيو له مفاتيح بسيطة تحتاج لمن يفهمها، ويعتبر ما يطرحه اجتهادا يحتمل الصواب والخطأ.
تحدثنا عن ظاهرة «الوكيل الرسمى للثورة»، التى سادت منذ عامين ونصف العام، وما يزال هناك من يضع نفسه وكيلاً حصريًا للثورة، يحدد من معها ومن ضدها، ومثل التكفير الدينى أصبح لدينا التكفير الثورى. يعلن هذا الناشط أو ذاك نفسه وكيلاً حصرياً، باسم الثورة والشعب. وبعضهم اكتشف أنه فقد نجوميته بعد أن أصبحت السياسة مجالا للناس العاديين، ولم تعد حكراً على أفراد يحددون للناس ما يجب وما لا يجب.. متجاهلاً حق الناس فى الاجتهاد والمشاركة دون احتكار، وكثيرون ممن عينوا أنفسهم «وكلاء رسميون للثورة» يرفض الاختلاف، ويفتقد إلى التسامح، يفرض وصاية على الناس، ويعتبر نفسه الفاهم الأوحد والوحيد.
والنتيجة أنه اختفى هؤلاء الذين يجب أن يظهروا، وصمت الذين يجب أن يتحدثوا، اختفى العلماء والخبراء والمختصون، وحل محلهم «بتوع كله» ممن يجيدون مخاطبة الفضائيات أو رص الكلام المنمق. ولا يعتبرون كلامهم اجتهاداً، وإنما أحكام نهائية، ولا يترددون فى إطلاق اتهامات بالخيانة والعمالة ضد خصومهم، وهى اتهامات إذا بدأت لن تنتهى، وسوف تصيبهم «طرطشاتها»، وتقود للمزيد من اللت والعجن والنميمة، التى تسلى ولا تفيد، تطيح بالبعض، وترفع البعض الآخر، وتحير الأبرياء الذين يتصورون أنهم يتعاملون مع ملائكة، فإذا بهم أمام بشر.
ربما على وكلاء الثورة أن يتوقفوا عن الاحتكار، ويتواضعوا قليلاً أمام وضع يحتاج العمل أكثر مما يحتاج للنجومية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة