الحفاظ على مكونات الدولة المصرية خط أحمر، وليس من حق أى رئيس قادم أن يعبث بهويتها أو شكل الحكم فيها، ولا أن يأتى بحزبه وأنصاره ومؤيديه فى المناصب المهمة والحساسة، ولا أن يعبث بسلطاتها الرئيسية خصوصًا القضاء والبرلمان والحكومة، ولم نسمع فى أى دولة ديمقراطية فى العالم أن رئيسها المنتخب فعل مثل مرسى وجماعته، وأراد أن يختطف دولته ويسلخ جلدها ويغير هويتها ويحولها من نظام لنظام، متصورًا أن شرعيته الانتخابية فوق شرعية الوطن التاريخية، وأن من حقه أن يؤسس دولة دينية إخوانية على حساب الدولة التى تضرب حضارتها فى أعماق التاريخ، ولم يفهم المعزول وجماعته أن شرعيتهم جميعا سقطت، عندما أرادوا الاستيلاء على شرعية الدولة.
شرعية مصر هى أساس الحكم وهى دستور الدولة ومصدر قوانينها، ولا نريد رئيسًا يتصور نفسه فوق الدستور والقانون، فقد انتهى إلى غير رجعة عصر الزعامات التاريخية والحكام الملهمين المنزهين عن الخطأ، والطريق إلى ذلك هو تنمية وعى الجماهير وكشف المغيبين والمختطفين والمنافقين والمنتفعين، وضرب حشود المزيفين يهتفون لمن يجلس على الكرسى «بالروح بالدم نفديك يا زعيم»، فهؤلاء هم الذين يزينون جرائم الحكام ويفرشون لهم الطريق إلى جهنم، ولابد من المواجهة والمصارحة والاعتراف بأن مصر عاشت معظم سنواتها تدور فى هذا الفلك الملعون، الذى قاد فى النهاية إلى انفجار 25 يناير، ولم يتعظ المعزول وجماعته من دروس انهيار النظام الذى سبقه، فبغى وطغى وتكبر وتغطرس وتوهم كذبًا أنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولكن الحمد لله ومن حظ مصر وشعبها أن الإخوان أصيبوا بالعمى فاختاروا مرسى، ولو اختاروا أى إخوانى غيره لاستمروا فى الحكم 500 سنة.
شرعية مصر تعنى بالدرجة الأولى احترام إرادة شعبها، فلا يأتى حاكم يزرع الفتن ويثير الأحقاد ويطبق سياسة المستعمر البغيض «فرق تسد»، ويشعل الصراع بين عنصرى الأمة، فمصر قوامها السلام الاجتماعى والمواطنة والمساواة والمحبة، وشعبها لا يقبل القسمة على مؤمنين يذهبون إلى الجنة وكفار مآلهم النار، وسقط المعزول وجماعته عندما أرادوا تمزيق النسيج الاجتماعى وتعكير صفو الحياة، واستغلال الإسلام فى غير مقاصده من أجل السلطة والحكم وليس لوجه الله، ولن يكون لمصر مستقبل إلا إذا منعت قيام الأحزاب الدينية الفاشية التى إن لم تحكم البلاد تحرقها، وتجربة العام الماضى رفعت الغطاء عن مؤامرات تفتيت وتقسيم البلاد، وكأنها جمهورية موز يستيقظ شعبها صباحا، فيجدون عصابات المتاجرة بالأديان تستولى على الحكم فيها.
شرعية مصر تحتاج من يحميها ويدافع عنها ويقطع أى ذراع تمسها، وأبرمت ثورة 30 يونيو عقدًا اجتماعيًا جديدًا بين الشعب والجيش، يتولى بمقتضاه الجيش مهمة حماية الدولة فى الداخل والخارج، والضرب بيد من حديد على من يعبث بكيانها أو يهدد أمن شعبها، وفى اعتقادى أن هذا العقد سيظل سارى المفعول لسنوات طويلة قادمة، حتى تستقر أركان الدولة وتتحصن ديمقراطيتها، وتستطيع الدفاع عن نفسها، فما جدوى الصندوق الذى يأتى بحاكم يريد سرقة وطن، وما فائدة الديمقراطية التى يحتمى خلفها الإرهابيين والقتلة، وما هو شكل مصر إذا استمر المعزول وعصابته فى حكمها، وهم الذين استباحوا حرمة الوطن وفتحوا سيناء للإرهابيين ومزقوا السلام الاجتماعى، وأدخلوا العنف والقتل والدماء بين المصريين، فعن أى شرعية يتحدثون؟