لأننا شعب متدين بطبعه أو هكذا نحب أن نسمع, فإننا نعشق إضافة كلمات الشرعية والإسلامية على كل أمور حياتنا، حتى وإن كانت لا صلة لها بالدين.
هذه الحقيقة التى يستغلها التجار بشكل كبير فيحرصون على إضفاء صفة إسلامى على بعض المنتجات لكسب الزبائن لدرجة أنه ظهر فى الأسواق طلاء أظافر تحت مسمى "مانيكير إسلامى", كما يحاول بعض أصحاب المهن تطويع الدين للترويج لأنفسهم لدرجة أن حلاقا وضع الأية القرأنية "نحن نقص عليك أحسن القصص" لتدل على مهارته فى قص الشعر, وكتب أحد الخياطين داخل دكانه "وكل شىء فصلناه تفصيلا "ليدلل على إتقانه تفصيل كل أنواع الملابس, بل إن تجار الغرب حاولوا استغلال هذا الهوس فكتب بعضهم على أحد منتجات السمك المستورد "مذبوح طبقا للشريعة الإسلامية".
ورغم استغلال تجار السلع وأصحاب المهن لمصطلحات الدين والشريعة , إلا أن تجار السياسة والحكام فى مصر تفوقوا فى استغلال الدين ومحاولة تطويعه باستخدام رجال دين تحت الطلب يبررون للسلطة كل أفعالها، حتى وإن كانت منافية للدين والأخلاق وكل المبادئ الإنسانية، وهو ما أدركته السلطات الإستعمارية وقوات الإحتلال فى العصور المختلفة محاولة استغلال الدين لتبرير جرائمها ووحشيتها ومصادرتها لحريات الشعوب.
وقبل أن يصيبك الملل أو تسأل - عزيزى القارئ - عن سبب هذه المقدمة سأحكى لك عما رأيته ولم أصدق عينى خلال إجازة العيد حين ذهبت وأسرتى إلى القرية الفرعونية بشارع البحر الأعظم بالجيزة, والتى استمتعنا فيها بأجواء الحياة الفرعونية وتفاصيل الحياة اليومية للمصرى القديم, فضلا عن المتاحف المختلفة التى تضمها القرية والتى تعبر عن مختلف العصور والمراحل التاريخية فى مصر "المتحف الإسلامى - متحف جمال عبد الناصر – متحف السادات – متحف التحنيط - متحف الأهرامات", وأخيرا متحف الحملة الفرنسية أو متحف نابليون وفيه كانت الصدمة التى لم نصدقها وأعادتنا إلى أجواء وألاعيب الحياة السياسية فى العصر الحالى.
حيث يحتوى المتحف على لوحات تعريف بكل قائد من قادة الحملة الفرنسية ومعلومات عنه, وكانت الصدمة فى اللوحة الخاصة بالجنرال مينو ثالث وأخر قادة الحملة الفرنسية على مصر، حيث تقول عنه اللوحة "أنه ترأس الحملة الفرنسية وأصبح القائد العسكرى بعد مقتل كليبر على يد سليمان الحلبى وأنه شكل المحكمة التى أعدمت سليمان الحلبى الذى أعدم طبقا للشريعة الإسلامية!".
أى والله هكذا قالت لوحة المتحف عن مقتل البطل سليمان الحلبى الذى قتل كليبر وكان لما فعله دور ضمن عدة أسباب فى انسحاب الفرنسيين من مصر, وتم إعدامه بطريقة وحشية باستخدام الخازوق بعد حرق يده حتى الرسغ أثناء التحقيق معه, كما تم قطع رؤوس أصدقائه الأربعة الذى شاركوه فى السكن وحرق جثثهم أمامه, وأعدم الحلبى بوضعه على الخازوق ليبقى جسده مغروسا فوقه يمزق أحشاءه تدريجيا قبل أن يلفظ أنفاسه بعد أكثر من أربع ساعات وبقيت جثته فوق الخازوق عدة أيام تنهشها الطيور والوحوش ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه أن يقاوم الاحتلال الفرنسى.
وقد كان الحلبى يدرس فى رواق الشوام بالأزهر وتتلمذ على يد الشيخ أحمد الشرقاوى الذى أعدمه الفرنسيون مع خمسة من شيوخ الأزهر الذين شجعوا الشعب على مقاومة الغزو الفرنسى.
وحمل الفرنسيون معهم عند رحيلهم من مصر عظام كل من كليبر وسليمان الحلبى، وتم وضعهما فى أحد متاحف فرنسا, حيث وضعت جمجمة كليبر وبجانبها لوحة صغيرة مكتوب عليها: (جمجمة البطل)، وتحتها جمجمة الحلبى وإلى جانبها لوحة مكتوب عليها: (جمجمة المجرم).
ولاتزال جمجمة الحلبى هناك يتم عرضها لطلاب الطب فى فرنسا على أن شكلها يدل على "الإجرام والتطرف".
ورغم الحملات التى طالبت بإعادة رفات الحلبى لدفنها فى مسقط رأسه بحلب، ورد اعتباره كأحد شهداء الكفاح لازالت عظامه وجمجمته غريبة مهانة فى متاحف فرنسا.
بالتأكيد فإن الفرنسيين أدركوا أن الدين أحد الوسائل الهامة التى دأب الحكام فى مصر على تطويعها لتبرير جرائمهم, حتى وإن وصلت إلى حد استخدام الخازوق لتعذيب المعارضين والمقاومين, وربما وجدوا من رجال الدين من يمنحهم فتوى مارقة بأن إعدام الحلبى بهذه الطريقة يطابق الشريعة الإسلامية أو أن الحلبى تم إعدامه بخازوق إسلامى رغم أنه أحد الوسائل التى ابتدعها الفرس للتعذيب قبل الموت, ولكن ما لا نجد له تفسيرا هو كيف لم ينتبه المسئولون فى القرية الفرعونية إلى هذه المغالطة التاريخية والدينية التى يحويها متحف نابليون؟
والذى يجب أن يرد اعتبار البطل سليمان الحلبى بمحو هذه اللوحة فورا، وتخصيص جزء من المتحف لسرد قصة بطولة الحلبى الذى ضحى بحياته من أجل مصر.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة