وسط الجدل الدائر حول الجامعات والحرس الجامعى ودعوة البعض لإعادة الحرس لمواجهة الانفلات، ومحاولات تعطيل الدراسة، نتذكر الأجواء التى سبقت وأحاطت حكم المحكمة بإلغاء الحرس الجامعى، فى أكتوبر 2010، حيث اعتبرت المحكمة الإدارية العليا، أن وجود قوات للشرطة تابعة لوزارة الداخلية بصفة دائماً داخل الجامعة يمثل انتقاصا من الاستقلال الذى كفله الدستور والقانون للجامعة، وقيدا على حرية الأساتذة والباحثين والطلاب فيها، وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها، إن إلغاء الحرس الجامعى يسمح لهيئة الشرطة بالتفرغ للمهام الجسام الملقاة على عاتقها، من كفالة الطمأنينة والأمن للمواطنين فى ربوع البلاد على امتدادها.
أى أن الاعتراض كان وجود الشرطة داخل الجامعة، وكانت حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات من الجهات التى رفعت الدعوى، وكان على رأسها الدكتور حسام عيسى وزير التعليم العالى حالياً، وأسماء مثل الدكتور محمد أبوالغار، وربما لهذا.. يرى البعض أن موقف الدكتور حسام عيسى قد يبدو متناقضا، لأنه كان أحد دعاة إلغاء الحرس، ولا يمكنه اليوم مخالفة ما كان يطالب به، لكن الحقيقة أيضاً أن الجدل الذى أحاط القضية يومها حمل مخاوف كثيرة، وكانت هناك دعوات لإيجاد بديل للحرس، حتى يمكن مواجهة الخطر أو التهديدات.
يومها اعتبر المراقبون أن الدولة من حيث تريد فرض الأمن والسيطرة، فإنها تحمل الشرطة ملفات ليست من مهامها، وقلنا إن الجامعة ظلت منذ إنشائها تنظم شؤونها بعيداً عن وجود الشرطة التى يفترض أن دورها هو حماية الجامعة من الخارج، كإحدى المنشآت العامة، لكن داخل أسوار الجامعة فإن الجامعة نفسها فقط هى صاحبة الحق فى تنظيم شؤونها. ويومها كان هناك مناقشات، وطالب البعض بأن تأخذ الجامعات المبادرة، وتقرر الشكل المناسب لتأمين الجامعات والعملية التعليمية. وبالفعل كان هناك انقسام بين تيار يرفض وجود أى نوع من الحرس، ورأى يرى ضرورة وجود الحرس ليتناسب مع هيبة الجامعة، وتوقع هؤلاء أن تظهر حالات من العدوان أو التجاوز ضد الأساتذة، أو محاولات لتعطيل الدراسة، وكان التساؤل: ماذا نفعل لو حدث هجوم على أى جامعة؟
وإذا كان وجود حرس الداخلية فى الجامعة، كان يعتبر إحدى صور التدخل، فقد كان ذلك بسبب الوجود المستتر للأمن فى اختيار العمداء والأساتذة ما أدى فى النهاية إلى اختيار الأكثر ولاء، وليس الأكثر كفاءة فى المناصب، بينما الطبيعى أن يكون الاستقلال أهم سمات الجامعة.
وإذا كانت جماعة 9 مارس لاستقلال الجامعات، التى ضمت علماء مثل الدكتور محمد أبوالغار، والدكتور عبدالجليل مصطفى، والدكتور حسام عيسى وآخرين، سعوا من البداية لاستعادة القيم الجامعية العريقة التى قامت عليها الجامعة، فعليهم هم أيضاً أن يفتحوا نقاشاً بلا خوف حول أفضل الطرق لضمان الاستقلال، ليس فقط فى مواجهة السلطة، لكن أيضاً فى مواجهة أى تهديدات محتملة، وهو ما يظهر اليوم فى جامعة الأزهر وبعض الجامعات، ويتجاوز التعبير عن الرأى إلى الاقتحام والحرق والتكسير والعدوان، والأمر يحتاج مناقشة بعيداً عن التهوين والتهويل والابتزاز.