عندما أقول إن إعلامنا غير متوزان وبعيد عن المهنية، فأنا لم أضف جديدا فهذا حاله قبل ثورة يناير وبعدها، لكن التحول الصادم بعد 30 يونيو أنه خسر الحد الأدنى من التنوع والتوازن فى عرض وجهات نظر كل الأطراف، والذى ظل محافظا عليه فى عصر مبارك وحتى أيام المعزول، وبالتالى دخل مسرعا فى مرحلة إعلام الصوت الواحد. فى عصر مبارك كان هناك هامش يسمح باستضافة ممثلى المعارضة، صحيح أنه لم يكن مسموحا بانتقاد التوريث أو مافيا الفساد، لكن كان هناك حد أدنى من التنوع والرأى والرأى الآخر حافظت عليه الفضائيات والصحف الخاصة بدرجة تفوق الإعلام الحكومى، ورغم كل مشاكل الإعلام بعد ثورة يناير، والتضييق على حريته، ومناخ الانقسام والاستقطاب والتسييس الذى أصابه إلا أنه حافظ بدرجة مقبولة على عرض الرأى والرأى الآخر، فكان بإمكان الجمهور مشاهدة أو قراءة وجهات نظر مختلفة حول أداء المجلس العسكرى، وحول أداء مرسى وجماعته فى الحكم، ومواقف المعارضة. أما الآن فقد دخلنا عصر إعلام الصوت الواحد الذى لا يسمح بظهور الآخر المختلف معه أو حتى عرض وجهة نظر بأمانة ووضوح، بل لا يسمح لبعض عناصر القوى المدنية الذين لهم بعض التحفظات على مسار خارطة الطريق فى المشاركة فى البرامج التليفزيونية وطرح وجهة نظرهم.
فى إعلام الصوت الواحد ثمة تشابه غريب بين ما تقدمه الفضائيات الخاصة والحكومية فى الحملة على الإخوان والإرهاب، وفى إعلاء الحل الأمنى على الحل السياسى أو التنموى للقضاء على الإرهاب، بل إن هناك تنسيقا غير معلن فى استضافة قائمة محدودة من الأسماء التى تنتقل بين الفضائيات لتقدم خليطا من الآراء والمبالغات المتشابهة والتى تقدم تحت عنوان تحليل استراتيجى، فضلا عن إطلاق الاتهامات بالخيانة والتمويل من الخارج جزافا وبلا سند أو مبرر منطقى أو قانونى. ايضا فى إعلام الصوت الواحد هناك تراجع ملحوظ فى حرية الإعلام والإعلاميين سجلته تقارير لمنظمات دولية معنية بهذه الأمور، وكان إغلاق بعض القنوات ومنع باسم يوسف أحد أهم المحطات التى توقفت عندها تلك المنظمات، وأعتقد أن الإعلام المصرى بعد 30 يونيو قد استخدم أساليب جديدة فى الهيمنة على الإعلاميين، والتلاعب بمشاعر وعقول الناس، حتى إنه يصعب القول بوجود رأى عام حر، طالما بقى إعلامنا من دون تغيير حقيقى يطال أنماط الملكية والإدارة والسياسات الإعلامية وحرية الإعلاميين. لابد من التصدى الفورى لإعلام الصوت الواحد، وإصدار قوانين تؤكد حرية الإعلام وتكفل تنوعه فى مواجهة احتكار الحكومة وشركات الإعلان وبعض رجال الأعمال، ولا بديل أيضا عن تحرك الإعلاميين أنفسهم لوضع وتفعيل مواثيق شرف وأكواد مهنية ومدونات سلوك حتى نحافظ على مهنية الإعلام، وأعتقد أن الالتزام بقواعد العمل المهنى الإعلامى وأهمها: الدقة والتوازن والفصل بين الخبر والرأى وعرض وجهتى النظر وحيادية مقدمى البرامج.. كل ذلك كفيل بضمان حرية الإعلام واحترام حق المواطن فى الحصول على المعلومات من مصادر متنوعة والارتقاء على إعلام الصوت الواحد. فهل نبدأ باسترجاع مهنية الإعلام وأخلاقياته أم ننتظر النتئاج الكارثية لإعلام الصوت الواحد، الذى يحتكر الحقيقة، وينشر الأكاذيب، ويكبت الآراء المعارضة، ويبرر قيام بضع عشرات من مقدمى ومعدى البرامج وضيوفهم بالتلاعب بعقول وعواطف الجماهير لصالح الحكومة ورجال الأعمال.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة