ما رأيك فى حكومة الببلاوى؟
أرجوك لا تتسرع فى الرد، فلو قلت إنك تؤيدها فهذا معناه من وجهة نظر البعض أنك مع استمرار معاناة المواطنين فى الشوارع والأسواق والمصانع والمزارع، ومعناه من وجهة نظر أخرى أنك مع الإخوان الذين يعتبرون هذه الحكومة هدية من السماء لإغراق البلد، ومن ثم تحسين صورتهم وإعادتهم إلى الحياة، ومعناه من وجهة نظر ثالثة، أنك مع خارطة المستقبل التى أتت بهذه الحكومة وجعلتها تدير شؤون البلاد، أما لو قلت إنك تعارضها، فهذا معناه من وجهة نظر البعض أنك ضد الإخوان أيضا، لأن هذه الحكومة كما يسمونها «انقلابية»، ومعناه من وجهة نظر أخرى أنك ضد الجيش أيضا لأنها تريد أن تغرقه فى مشكلات، كان يتعين عليها حلها سريعا، لكى تؤكد على أن انضمامه للشعب كان الصواب بعينه، ومعناه من وجهة نظر ثالثة أنك ضد البلد التى تبحث عن حكومة قوية، تعيد لها استقرارها وأمنها ورفاهيتها، ومعناه أيضا – ويا للعجب – أنك مع الجيش الذى يريد أن يطيح بهذه الحكومة، ليأتى بحكومة عسكرية تماما كما يزعم البعض.
ما رأيك فى لجنة الخمسين؟
أرجوك لا تتسرع فى الإجابة، لأنك لو أيدتها فهذا معناه أنك ضد الجيش لأن هذه اللجنة تريد أن تحذف المادة التى تعطى القوات المسلحة الحق فى محاكمة من يعتدون عليها، ومعناه من وجهة نظر البعض أنك مع الإخوان الذين يعتبرون أن هذه اللجنة هدية من السماء أيضا، لأنها تؤكد للناس من وجهة نظرهم أن الحرب كانت فى الأساس على المادة التى اخترعوها (219)، وأن الحرب على أشدها، ومعناه من وجهة نظر أخرى أنك أيضا مع السلفيين واعتراضاتهم الكثيرة على اللجنة، ومعناه من وجهة نظر رابعة أيضا أنك مع الجيش الذى أعلن قائده عن خارطة الطريق، التى نصت على تشكيل هذه اللجنة، وأرجوك أيضا ألا تتسرع أيضا فى رفض هذه اللجنة لأن رفضك قد يعنى أنك مع الإخوان الذين يرون أن هذه اللجنة غير شرعية، ويعنى أيضا أنك ضد السلفيين الذين اشتركوا فى وضع خارطة الطريق، ومعناه أيضا – ويا للعجب العجاب – أنك ضد الجيش الذى أعلن قائده عن هذه الخارطة، وأيدها منذ اللحظات الأولى.
ما رأيك فى التقارب الروسى مع مصر؟
لا تتسرع فى الإجابة أيضا، لأنك لو كنت من مؤيدى هذا التقارب، فمعناه أنك لا تفهم فى السياسة شيئا، وأنك تنفخ فى قربة مقطوعة، ومعناه أنك ضد الإخوان والسلفيين والإسلاميين بشكل عام، لأنك تريد أن تتقارب مع شيوعيين، ومعناه أيضا أنك ضد الجيش المصرى، الذى يعتمد بشكل كبير على السلاح الأمريكى، والمعونات الأمريكية، ولو كنت من معارضى هذا التقارب فالويل أعظم، لأن معناه أنك ضد الجيش الذى يريد أن يحارب أمريكا بتقاربه مع الروس، ومعناه أنك ضد الإخوان الذين حرصوا على التقارب مع روسيا، بدليل زيارة رئيسهم الشهيرة لموسكو، ومعناه أنك ضد الشعب المصرى الذى مل من حالة الهيمنة الأمريكية، ومعناه أنك تريد أن تعيدنا إلى مرحلة الحرب البادرة والستينيات، ومعناه أنك عميل لأمريكا التى تريد أن تنفرد بالسطوة على العالم.
ما قرأته أعلاه ليس أكثر من رصد لبعض أهم الأسئلة التى نتداولها يوميا والتى من الممكن أن يؤوِّل أى فرد إجابتك عليها بأى وجهة نظر يريد أن يفرضها عليك، ولا يفترض أحد أيضا أن لك دوافع وطنية خالصة، تجعلك تقول ما تقول، والجميع يعيش الآن حالة من الإرهاب الخانقة التى تجعلك تتحسس كلماتك قبل أن تتفوه بها، وهو الأمر الذى قد يعيدنا إلى مرحلة الخرس السياسى، لنكتفى بمصمصة الشفاه، أو هز الرأس، أو الغمغمة فى آخر الحديث، مكللين موقفنا بالدعاء الشهير «ربنا يولى من يصلح»، حيث «الكل» من وجهة نظر «الكل» خائن.
وطن كهذا يقتل نفسه بنفسه، وطن كهذا يلقى بنفسه إلى التهلكة، فلا تتبع إلا نور عينيك، لا تتبع إلا نور عينيك.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة