من حق مؤيدى الدكتور مرسى أن يروه بطلا أسطوريا جسورا هصورا. فمن بينهم من لايزال يصدق أن جبريل نزل إلى رابعة، وأن حمامات خضراء رفرفت هناك. لكن عليهم أن يعرفوا أن هناك ملايين من الشعب العادى ممن خرجوا ضد حكم مرسى وجماعته، كان منهم من صوت له وسانده، ثم خرجوا ضده لأنهم رأوه فاشلا وتابعا. ويرون أن مشهد مرسى فى المحاكمة، وبيانه الذى أطلقته هيئة دفاع غير موكلة، هو استكمال لمشاهد بائسة قديمة عفا عليها الزمن، ولم تعد تنفع فى ظل عصر الكاميرات والتسجيلات.
كان يمكن لمشهد ظهور مرسى فى المحاكمة أن يزلزل الزلازل، ويقلب الموازين ويلخبط الحسابات ويرعش المفاصل. لكن المشهد لم يثر أى أنواع من رد الفعل العالمية، ناهيك عن المحلية، خرج مرسى وسلم على زملائه وهتفوا ضد الانقلاب وانبسطوا وابتسموا وأشاروا بأصابعهم وأرجلهم وهيصوا ثم انصرفوا. لم تخرج الجماهير من الشقوق ولا تحركت الجحافل.
ظهر الدكتور مرسى فى القفص، بعد طول انتظار، وترقب، وأراد أن يكون مشهد ظهوره تاريخيا، فإذا به مشهد جغرافى عادى مسطح، يفتقد للتشويق والإثارة، حتى لدى هؤلاء الغاضبين عموما والرافضين طوال الوقت. كل ماجرى أن ظهور الدكتور مرسى قطع الشك باليقين، وأنهى قصة أنه مخطوف وأنه مختفى. وحتى بعد بيان مرسى الذى تلته هيئة الدفاع، عن شرعيته واختطافه، وأنه الرئيس الذى يجب عودته. كان مشهدا زائدا على سيناريو ركيك.
الصورة التى أراد مرسى وأعوانه أن يظهروا بها اختلفت عن الصورة التى ظهروا عليها، فهم لم يتوجهوا للشعب حتى وإن كانت كلمة الشعب وردت فى حديثهم وضجيجهم أمام المحكمة، لم يذكروا بكلمة تلك الملايين التى خرجت فى مواجهتهم، ويعرفون أنها ضدهم، فضلوا أن يتوجهوا لشعبهم الخاص جدا، وجماعتهم وهم نفس الشعب الذى خاطبه مرسى وخاطبته الجماعة طوال عام، وقبل العام. لقد تحدثوا عادى جدا عن الانقلاب ويسقط ويعيش، وهو أمر يعطى انطباعا بأن الانقلاب ديمقراطى، ويسمح «للمقلوب» أن يخرج ليقول إنه مقلوب. وهو أمر تحول إلى نكتة أكثر مما تحول إلى مشهد مؤثر عميق.
هل كان السادة الزعماء جادين فعلا فيما يريدون؟، لو كانوا جادين ربما لخرجت الجماهير الهادرة تطالب بعودة الدكتور مرسى وإخوانه وأصدقائه، ممن مارسوا السياسة بالحجم العائلى، وفشلوا حتى الفشل، وهل تساءلوا: أين اختفى الشعب من الصورة؟، ولماذا لم يتجاوب مع دعواتهم التليفزيونية التى بدت حركة قديمة مستوحاه من الأفلام أكثر مما هى من الواقع؟.
ولنفترض أن جماعة الدكتور تريد مشهدا مؤثرا، ربما كان عليهم إعادة دراسة المشهد، وأن يدسوا فى بياناتهم أى شىء، يعنى أن هناك شعبا آخر يمكن أن يعملوا له حسابا، ولو من باب الاحتياط. لكنهم فضلوا السير فى نفس الاتجاه، والدفع بمزيد من مؤيديهم إلى مجهول، مع حالة إنكار مستمرة للشعب، بل اعتبروا خروج الملايين ضدهم انقلابا، وهو أمر لم يقله مبارك، لكنهم قالوه، وبعضهم يعتبر الشعب خائنا ويا للعجب.
وأيا كانت آراء مؤيدى الجماعة، عليهم أن يسألوا أين ذهب الشعب؟. ولماذا لم يتجاوب مع مشاهد المخطوف والملهوف؟.