د. نعمان جلال

الأوهام الخمسة بين السياسة والدين: وجهة نظر بحثية

السبت، 16 نوفمبر 2013 07:56 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعيش العالم العربى والإسلامى وبخاصة منذ أحداث ما أطلق عليه الربيع العربى مجموعة من الأوهام السياسية والدينية فى آن واحد، ونقدم مجموعة من الأفكار والملاحظات ذات الصلة معتمدين على منهج البحث الواقعى بعيداً عن المثاليات والانحياز العقائدى والفكرى.

الأول: الوهم القائل بسيطرة الدين على السياسة وبخاصة بالنسبة للإسلام باعتبار النظرة إلى الدين على أنه شامل لأمور الدين والدنيا، وهذا فى تقديرى هو أحد أسباب نكبة المسلمين منذ عصر ما بعد الخلفاء الراشدين، رغم أن جذور هذا الوهم ترجع لنشأة الإسلام ذاته، ثم أخذت كرة الثلج تتدحرج حتى عصرنا الحاضر، بتضخم هذا الوهم، ولقد بدأ الوهم لدى مشركى قريش وسادتها عندما عرضوا على النبى (صلى الله عليه وسلم)، إن كان يريد ملكا ملكوه عليهم، وإن كان يريد مالا جمعوا له ثروة، حتى يتوقف عن نشر هذا الدين، العجيب من وجهة نظرهم، الذى جعل الألهة إلها واحداً، وأبطل النبى (صلى الله عليه وسلم) هذا الوهم بقول قاطع وحاسم وحازم هى رده على عمه أبى طالب الذى نقل له هذا العرض قائلا:"والله يا عمى لو وضعوا الشمس فى يمينى والقمر فى يسارى على أن أترك هذا الأمر ما تركته " وهذا واضح أن النبى صاحب رسالة سماوية مرتبطة بعقيدة التوحيد، وليس لها علاقة بأمور الدنيا وزخارفها، وزاد النبى محمد هذه الحقيقة تأكيدا فى حديث مشهور له بعد الهجرة قائلا " من هاجر لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه، ومن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله" والقرآن الكريم بدوره أوضح هذه المفاهيم بقوله" قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَا الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (سورة الشورى آيه﴿٢٣﴾). ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِى حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِى الآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ" الآية 20 سورة الشورى وكثير من الآيات تؤكد تلك التفرقة بين العمل للآخرة والعمل للدنيا وترد فى سياق قصص القرآن التى الهدف منها العبرة والدروس المستفادة.

الثاني: الوهم المرتبط بمقولة حزب سياسى ذى مرجعية دينية، فهذا الوهم ارتبط بالعصر الحديث، وبالتطلع للسياسة، والحصول على مغانمها، وفى نفس الوقت الادعاء أو الاستفادة من الحس الدينى، والحمية الدينية لدى الشعوب فلا مرجعية فى السياسة، سوى ثلاثة أمور وهى المبادئ العامة للسياسة والعمل السياسى، والدستور والقانون، والقيم والمبادئ الأخلاقية العامة. وهذه الأخيرة موضع خلاف واختلاف منذ أطلق مكيافيللى القول المشهور " الغاية تبرر الوسيلة" بل منذ قتل قابيل هابيل. فالصراع هو سنة الحياة سواء من أجل المال والثروة أو السلطة والنفوذ أو الملذات والشهوات الجنسية. والعقائد الدينية سواء سماوية أو غير سماوية لها احترامها وقدسيتها لدى معتنقيها، وينظر إليها المخالفون أو الرافضون لها نظرة مختلفة تماما، ولذا فإن مقولة المرجعية الدينية للحزب السياسى هى كذبة واضحة، وتاريخ المرجعيات شاهد على ذلك، إنه تطلع سياسى مغلف بشيكولاتة دينية هدفه خداع الجماهير بل وخداع النفس فى نهاية المطاف.

الثالث: الوهم الخاص بالديمقراطية والدولة المدنية ففى أية دولة يحكمها رجال الدين سواء منذ فجر الكاثوليكية أو فجر الإسلام. رجل الدين يتحول إلى خدمة السياسى أو العكس، يخضع السياسى لرجل الدين، وكلا الحالتين رفضتهما الحضارة الصينية والغربية ومن هنا نشأ مبدأ المسمى الصحيح فى القول المنسوب لأحد آباء الكنيسة أعطى ما لقيصر لقيصر وما لله لله. وهذا تأكيد لما ورد من حديث الرسول محمد بن عبد الله " صلى الله عليه وسلم" السابق ذكره عن النية من الهجرة أن فى مصر وغيرها من الأقاليم الإسلامية، والمفاهيم الديمقراطية المرتبطة بالنظم السياسية أو بالحكم المدنى. لأن الخلط بين الحالتين هدفه أيضا خداع الآخر وخاصة فى عهد الولع الغربى بما يسمى الديمقراطية وحقوق الإنسان والحكم المدنى.

الرابع: الوهم القائل بخضوع السلطة العسكرية للسلطة المدنية. وهذا من أكثر الأوهام خدعة، ولذلك قال الزعيم الصينى "السلطة تنبع من فوهة البندقية" ولم يأت بهذه المقولة من ابتكاره، بل كانت كبسولة واضحة لتأكيد الحقيقة التى عاشها العالم، فالفرسان فى العصور القديمة والوسطى، كانوا هم الذين يحكمون فعلياً حتى وإن كانت طبقة البراهمة، فى الهند هى الحاكمة، وكذلك الأمر فى أوروبا، وفى الدولة الأموية والدولة العباسية، أو فى حكم المماليك الذين أحضروا للبلاد كعبيد أو بالأحرى كأسرى، وقاموا بحماية السلطة المدنية، وسرعان ما أصبحوا هم الحكام، وفى الدولة العباسية كان الحاكم العباسى فى معظم العصور أسيرا فى يد القوة العسكرية سواء من الأتراك أو من الديلم أو الفرس أو غيرهم. وفى الدولة الديمقراطية الحديثة يحتل العسكريون مكانة متميزة، فلا قرار يتخذه رئيس الدولة يخص الأمن الوطنى إلا بموافقتهم، ولهم مزايا تفوق مزايا الآخرين، ولهم نظامهم الخاص. وزير الدفاع الفعلى فى أمريكا أو الهند أو بريطانيا هو رئيس الأركان، ورأى العسكريين معتمد فى شئونهم خاصة، وفى شئون الدولة بوجه عام، عبر مجلس الأمن الوطنى ومستشار الأمن الوطنى، وأجهزة الاستخبارات والأمن. وزير الدفاع إن لم يكن عسكريا أو شبه عسكرى فلا سلطة حقيقية له، وإن كان يقتصر دوره عادة على اعتماد القرارات كناحية قانونية إجرائية كذلك الأمر بالنسبة لرئيس الدولة، فالحكم الديمقراطى الحديث يعتمد على المؤسسات، وهذه بدورها للعسكريين فى معظمها تأثير مباشر أو غير مباشر عبر مراكز الأبحاث الإستراتيجية، وأجهزة الاستخبارات هذا إذا لم يكن معظم قادة الدولة من العسكريين، كما هو الحال فى إسرائيل أو لبسوا لباساً مدنيا، كما حدث مع ديجول وإيزنهاور، ومن لم يخدم فى القوات المسلحة فى أمريكا يعد خائناً للوطن، وغير مؤهل للسلطة العليا فى الدولة، وما يطرح من نقاشات واتهامات بعض مرشحى الرئاسة الأمريكية خير دليل على ذلك، ومن ليس مرجعيته دستور البلاد وقوانينها يتهم فى وطنيته، ولعل المناقشات والشكوك حول أوباما، وكونه غير مولود على أرض أمريكية، وأنه مسلم متخف وغير ذلك خير شاهد على هذا الأمر.

الخامس: الوهم القائل برفض دستور الدولة وقوانينها والادعاء بمرجعية خارج الدولة فالمرجعية والولاء أولا وحتى الألف مرة هى للوطن، وغير ذلك مرفوض فى النظم الديمقراطية، والخداع بأن هذا زعيم سياسى مرجعيته دينية أو زعيم سياسى هو رجل دين، وأنه يؤمن بالديمقراطية أو الحكم المدنى غير ممكن، إلا فى بلاد العروبة حيث الكذب والدجل السياسى هو الأساس فى سلوك الكثيرين رغم نهى الإسلام عن ذلك.

باختصار القوة هى أساس السلطة، والسلطة يحكمها قانونها الخاص بها، وهى فى نفس الوقت تستخدم مختلف الأساليب للتلاعب بالعامة من الناس، بما فى ذلك المفهوم الدينى، لأن الدين من الحقائق المنغرسة فى عقلية ونفسية الشعوب منذ خلق الله الكون، فالحاجة للمفهوم الدينى هى غريزة مثل غرائز الإنسان الأخرى كطعام والجنس وحب البقاء لأن الإنسان خلق ضعيفا يحتاج لقوة عليا فى أوقات المحن والأزمات النفسية سواء للفرد أو المجتمع ولهذا يلجأ للقوة المستمدة من المفهوم الإلهى الدينى أيا كانت تسميه الإله.

للأسف كثير من الشعوب تستريح إلى وجود منطقة أمان كما تسمى فى علم النفس، وهذه المنطقة الأمان Safe Zone السهلة والبسيطة والتى تلقى قبولاً من معظم البشر هى مفهوم الدين رغم أن الدين الإسلامى برئ من كل هذه الأقاويل وخاصة من يقاتلون ويرهبون الناس ويروعون الآمنين بدعوى الدفاع عن الدين وهو دفاع كاذب ومرفوض فصحيح الدين غير صحيح السياسة، وكلا حمالة قوانينه وقواعده كما أشار ذلك القرآن الكريم فى كثير من الآيات التى تجاهلها بعض دعاة الدين ويفسرونه على هواهم حسب مصالحهم وأهوائهم.
* باحث فى الدراسات الإستراتيجية








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة