مرة أخرى وثالثة ورابعة تتحول الأحداث الكبرى إلى ساحة للمنافسة، من يزايد أكثر، ومن يظهر مدة أطول، ومن يقول كلاما ساخنا، وكلاشيهات ذات صوت عال، ومن يحتل الصورة.. لكنها لم تصبح أبدا مكانا للمراجعة ومعرفة الخطأ والصواب.
نقصد ذكرى أحداث محمد محمود، التى تكمل عامين وما تزال كل فصولها غامضة ولا أحد يجرؤ على فتحها للبحث عن بداية ما حدث.. الكل يقفز إلى «ثانيا»، متجاهلا أن «أولا»، النقطة الأولى، تعنى الكثير.
سنسمع ونقرأ شهادات عن مصادمات وكر وفر وبطولات، وشباب صغير صمد وحمل الرايات، واتهامات للأمن بالتورط فى إطلاق النار.
وشهادات من الأمن بأنهم تعرضوا لهجوم واستفزاز، وأن المظاهرين اتجهوا إلى وزارة الداخلية، وهناك من حاول اقتحامها، وأن الشرطة كانت فى موقع الدفاع.
شهادات ثالثة عن أن سقوط ضحايا من الجانبين المتظاهرين والشرطة أشعل الموقف وأنهى أى أصوات للعقل، وشهادات واتهامات لأطراف ثالثة، وغامضة، كانت تريد إشعال الصراع.
أحداث محمد محمود تزامنت مع الانتخابات البرلمانية، ويومها رفض الإخوان مساندة المتظاهرين واهتموا بالانتخابات، بل أيدوا الإجراءات الأمنية.. يومها كان كثير من زعماء النشطاء وائتلافات الثورة تدعو لمقاطعة الانتخابات واتهموا الإخوان بأنهم باعوا الثورة من أجل الكراسى.
كانت هذه هى الأحوال وقت أحداث محمد محمود، لكن أحدا لا يذكر كل هذا، ويذكرون فقط لحظات المواجهة والصراع، أى أنهم يذهبون إلى «ثانيا»، ويتركون «أولا»، وفى التفاصيل تنام الشياطين، ولا يكفى إحياء هذه الذكرى من دون معرفة حقيقة الأحداث، وكيف كان يمكن تجنبها، والاعتراف بأنها لم تكن حرب أعداء، لكنها كانت استمرارا لشروخ اتسعت فى جدران التحرير والثورة، ضاعفت من الحيرة والضياع، استغلها المحترفون للحصول على كراسى كانوا يتصورونها دائمة.
فى كل الأحداث والمصادمات التى وقعت منذ ما بعد 11 فبراير 2011، هناك أسئلة لم يجب عليها أحد، فى أحداث البالون والمجمع ومحمد محمود ومجلس الوزراء، سقط ضحايا، واحترقت مبان ووثائق وأوراق، واشتعلت حرائق. وكان كل فريق يقدم صورا من ناحيته، بكاميرا واحدة، تقدم جزءا من الحقيقة.
وها هو محمد محمود يتحول إلى مكان للمنافسة وليس لإحياء الذكرى، يعود إليه اليوم كل فريق، النشطاء، ونتوقع تكرار الأحداث والأفعال وردود الأفعال، هناك من لم يتعلم درسا.
القضية أن أحدا لا يريد الاعتراف بالأخطاء، طبعا المجلس العسكرى يحمل الجزء الأكبر من الأخطاء، لأنه كان يدير المرحلة الانتقالية. لكن أطرافا أخرى أخطأت ولا تريد الاعتراف بالخطأ. نقصد هؤلاء الذين انشغلوا وشغلوا الناس بمعارك وهمية، لا يمكن معرفة أولها من آخرها. بالطبع كان هناك محترفون يديرون البوصلة، ويصنعون القضايا والخلافات، ولا لماذا وقعت ومن أشعلها، بعض الأبرياء كانوا ضحايا عمليات أكبر منهم.
اليوم تعود أطراف مختلفة، كل منها ترى نفسها أحق، يعود الأمن، والاشتراكيون الثوريون و6 إبريل، والإخوان مع مخاوف من أن تعود الأمور لتشتعل، ويسقط المزيد من الضحايا، قبل أن نعرف ما الذى حدث أولا.