مصر تعيش فى جلباب الذكريات الأسود.. وترفض ارتداء ثوب المستقبل الأبيض، تعيش فى الماضى، وتخشى المستقبل وترى فيه غياهب مظلمة وحالكة السواد، تمجد الحزن، وتصنع منه معبدا لتمارس فيه كل طقوس الألم، تحفر فى بطن الجبل الصخرى مقابر لتدفن فيها أبناءها المخلصين والأوفياء.
بعد 25 يناير 2011 تخيل المصريون أنهم على أعتاب تغيير شامل وحاسم فى العادات السلبية، وإغلاق مخازن الماضى لمنع سحب رصيد الكراهية والألم منه، وأن تصنع تماثيل الإيجابية والتفانى فى ميادين الثورة، للنهوض بهذا الوطن.
لكن وطوال 3 سنوات كاملة قفز على الساحة مجموعة من الانتهازيين يمثلون أطيافا وألوانا سياسية شتى، ونصبوا أنفسهم كهنة الثورة، يتحدثون باسمها ويصدرون فتاوى التكفير لمعارضيها، ومنحوا لأنفسهم دون أى حيثية الحقوق الحصرية والملكية الفكرية للثورات، وانصب اهتمامهم فقط على الوصول إلى مقاعد السلطة والجلوس فى قصور الحكم، والتنقل بين استوديوهات القنوات الفضائية، واعتبروا ماضيهم ذكريات مجيدة، حاضرهم تعس ومستقبلهم مجهول.
ولتحقيق هذه الرغبات، قرروا أن يلبسوا مصر ثوب الذكريات الأسود، وأن يغرقوها فى بحور الأحزان، ضمانا للبقاء فى دائرة الاهتمام، وبؤرة الأضواء، خاصة أن معظمهم يفتقد المؤهلات والموهبة، والقدرة على العطاء والإنتاج، لذلك يستغلون ما لا يقل عن 16 ذكرى يتم الاحتفال بها طوال العام، فينظمون المظاهرات التخريبية، ويسقط فيها من يسقط من أبرياء، ويستغلها المتربصون لتسويقها عبر أبواقهم وتوصيل رسالة مفادها أن مصر لا تعرف للاستقرار طريقا، ولا وجود للعمل.
إحياء الذكريات تحول من احتفالات مبهجة إلى كوارث وتدمير، وطحن فى عظام الوطن، ونسأل ما هى الدولة العفية والقوية التى تتحمل إحياء 16 ذكرى على أنغام الرصاص، وسخونة النار، وسباحة الدم؟! بداية من إحياء ذكرى 25 يناير، و28 يناير جمعة الغضب، ومرورا بموقعة الجمل، و11 فبراير يوم التنحى، وأحداث محمد محمود الأولى 19 الشهر الجارى، وأحداث محمد محمود الثانية وشارع منصور 5 فبراير، وعيد العمال 1 مايو، واحتفالات ثورة 30 يوينو، واحتفالات عزل مرسى 3 يوليو، واحتفالات ثورة 22 يوليو، وذكرى فض رابعة العدوية، واحتفالات 6 أكتوبر، وأحداث ماسبيرو، واحتفالات العاشر من رمضان، ونهاية بموقعة قصر الاتحادية، وأحداث مجلس الوزراء.
والذكرى القريبة هى إحياء ذكرى أحداث محمد محمود الأولى يوم 19الشهر الجارى، والإخوة الثوار والحركات التى لا هم لها إلا إثارة القلاقل تحت شعارات براقة، سيندس بينها المغرضون، والمتربصون بالأمن وسيثيرون المشاكل، وربما تمنح هذه الحركات مفتاح ميدان التحرير لجماعة الإخوان، وليس بغريب عليهم، حيث إن هذه الحركات وطوال 3 سنوات كاملة كانت بمثابة كاسحات ألغام تطهر الطرق المؤدية للحكم ليسير الإخوان فيها بمنتهى الأريحية، ودون أى جهد يذكر.
إن إصرار الحركات الثورية خاصة 6 إبريل وأتباعهم، على أن يضعوا مصر والمصريين فى شرنقة الماضى، وارتداء ملابس الحداد السوداء، لأمر فى منتهى الخطورة، فلم نسمع طوال 3 سنوات من هذه الحركات ومن يطلقون على أنفسهم ثوارا مظاهرات ومليونيات تنادى بتحسين التعليم أو الصحة، أو توفير الإسكان، أو تطوير المرافق.!!
كل ما ينادون به إحياء ذكريات التخريب والتدمير، ولو عكف أعداء هذا الوطن فى الخارج لتدميره لن يجدوا ما يفعلونه مثلما تفعل هذه الحركات، لذلك أعداؤنا فى الخارج يطبقون مقولة القائد الفرنسى العظيم نابليون بونابرت: «إذا رأيت عدوك يدمر نفسه بنفسه فلا تقاطعه».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة