لا يدرك السادة أعضاء لجنة الخمسين بأننا لا نملك رفاهية الوقت للانتهاء من إعداد الدستور الجديد كخطوة أولى ومهمة فى خارطة الطريق السياسية، فهناك مناقشات غير مجدية وخلافات حول قضايا يتنافس فيها أعضاء اللجنة عن التيارات السياسية والدينية يتجاوز عنها رجل الشارع العادى الذى تسلل إليه الملل والضجر من طريقة أداء اللجنة التى تبدى اهتماماً بقيمة الوقت لإنجاز الدستور واختزال الفترة الزمنية. فمصر لديها الخبرة الكافية فى إعداد دستور لا يستغرق أكثر من شهر على الأكثر، وأحد الاقتراحات التى تم طرحها بعد 30 يونيو هو تشكيل لجنة خبراء من أساتذة وخبراء القانون الدستورى قوامها ما بين 20 إلى 30 خبيرا لإعداد الدستور وتفادى تكرار أخطاء لجنة دستور الإخوان.
مصر عرفت كتابة الدساتير منذ 200 عام، بما يعنى أن حكاية الدساتير مع مصر تمتد لقرنين من الزمان وهو ما يرصده الإعلامى الصديق والزميل العزيز ماهر حسن فى كتابه الممتع الصادر مؤخراً عن الهيئة العامة لقصور الثقافة عن «حكاية الدساتير المصرية فى مائتى عام». فيخطئ من يظن – كما يقول ماهر حسن - أن مصر حديثة عهد بالدساتير والأنظمة الدستورية، فإذا تجاوزنا التجربة الوليدة والبذرة الأولى للحملة الفرنسية على مصر ومن بعدها فترة حكم محمد على باشا، فقد شهدت مصر أول صيغة دستورية سليمة ومتكاملة وواضحة ومتقدمة أيضاً فى عهد الخديوى إسماعيل وهو دستورعام 1879 الذى وضعه شريف باشا «أبوالدستور المصرى». وبعد ذلك تواترت التجارب الدستورية فجاءت دساتير أعوام 23 ودستور 1930 ودستور 54 ثم 56 ثم دستور الوحدة بين مصر وسوريا ثم دستور 71.
وفى رحلة تاريخية ممتعة عبر أكثر من 550 صفحة يصحبنا الصحفى والمؤرخ الدءوب ماهر حسن إلى رحلة المعارك والوقائع والمحطات الدستورية الساخنة طوال أكثر من مائتى عام منذ عهد محمد على باشا مؤسس مصر الحديثة، وخلال ذلك يشيع معرفة وثقافة دستورية بديعة لمن يقرأ الكتاب. وكنت أتمنى أن يكون أعضاء لجنة الخمسين الحالية قد اطلعوا على الكتاب الذى يعد مرجعا مهما للمكتبة المصرية والعربية لمثل هذا النوع من الكتابات الرصدية التاريخية فى ظل غياب الثقافة الدستورية لدى عدد من أعضاء اللجنة.
فتاريخ مصر مع الدستور يجعلها تستحق دستورا يليق بحضارتها وقيمتها الحضارية والثقافية وبشعبها العظيم.