لم أصدق أن لجنة الخمسين- المنوط بها «مش عارف» تعديل الدستور ولا وضع دستور جديد- أنها تقرر اختيار المحافظين بالانتخاب، وإلغاء نسبة الخمسين فى المائة عمالًا وفلاحين، وكأنها تعمل ضد الإرادة الشعبية الكاسحة.
أعضاء لجنة الخمسين يجهلون معرفة خريطة التركيبة السكانية فى مصر، وأن هناك 14 محافظة كاملة تسيطر عليها العائلات والقبائل سيطرة كاملة، وأن انتخاب المحافظين فى هذه المحافظات سيشعل الفتن، وسيزيد من اتساع دائرة العنف والثأر المقيت.
على سبيل المثال، محافظات مثل مرسى مطروح، وشمال سيناء، وجنوب سيناء، والبحر الأحمر، والوادى الجديد، فإلى جانب أن هذه المحافظات حدودية، وكان المعتاد تعيين عسكريين كمحافظين لطبيعتها، فإن تركيبتها السكانية ترتكز إلى العشائر والقبائل، وكل قبيلة ترنو إلى الحصول على مقعد المحافظ.
الأمر لا يختلف كثيرًا فى محافظات جنوب الصعيد أسوان، والأقصر، وقنا، وسوهاج، ثم أسيوط، والفيوم، فإنها تعج بالقبلية الشديدة، ولا صوت يعلو فوق صوت النعرة القبلية الصاخب والمدوى. فمحافظة قنا تركيبتها السكانية تتكون من ثلاث قبائل رئيسية، هى الأشراف، والهوارة، والعرب، وكل قبيلة من هذه القبائل ترى فى نفسها الجدارة بأن يكون المحافظ ابنا من أبنائها، ولا تقبل تحت أى ظرف من الظروف اختيار المحافظ من القبيلة المناوئة لها، وهو ما سيشعل الصراع كاشتعال النار فى الهشيم.
أيضًا محافظتا البحيرة والشرقية تنضم للمحافظات القبلية، وهو ما يعد خطرًا داهمًا، وخطيئة وقعت فيها لجنة الخمسين عندما رضخت لاستحداث مثل هذه المادة الملزمة باختيار المحافظين بالانتخاب، وهو ما ينبئ بوقوع كوارث حقيقية بعيدة عن خيال أعضاء لجنة الخمسين التى تتكون من بعض المنظرين من مدعى الثورية، والمحسوبين على القوى السياسية والحزبية الذين لا هم لهم إلا تفصيل دستور على المقاس، يحقق لهم المغانم.
ولم تتوقف اللجنة عن قراراتها الغريبة، فقررت إلغاء نسبة الخمسين فى المائة عمالًا
وفلاحين، فى تجاهل تام للقوى الحقيقية على الأرض، والتى لم تخرج يومًا غاضبة، ناقمة على الأوضاع السيئة التى تمر بها، فالفلاحون لم يتركوا أراضيهم وزراعتهم ليخرجوا فى مظاهرات فئوية، وظلوا يعملون بكد دون كلل أو ملل.
لجنة الخمسين أرادت أن تكافئهم بإلغاء نسبتهم فى البرلمان، والتى منحتها لهم ثورة عظيمة اندلعت من أجل تحقيق عدالة اجتماعية على الأرض، هى ثورة يوليو 1952، ولكن أعضاء الخمسين الذين يرون فى أنفسهم أنهم النخبة، لا يعجبهم الفلاحين، ولا العمال ببدلتهم الملطخة بشحم ماكينات المصانع.
مكتسبات ثورة يوليو دمرتها لجنة الخمسين التى لا نعرف هل تعدل دستورًا أم تضع دستورًا جديدًا، وفى ظل هذا التخبط اللامحدود فى جميع القضايا بشكل عام، والخلافية بشكل خاص، بدأ البعض يتذمر ويشعر بالإحباط من هذه اللجنة، ويندهش من الصراع على تحقيق المكاسب الفئوية، ولذلك نخشى أن يخرج دستور مشوه، يدشن النعرة القبلية والطائفية.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة