إبراهيم داود

حاجات مش حزينة قوى

الخميس، 21 نوفمبر 2013 10:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى السنوات الثلاث الأخيرة راج نوع من الشعر فى مصر، يحتفى به السياسيون ومقدمو برامج التوك شو، شعر صادق «وكل حاجة»، يعجب الذين يتعاملون مع الشعر فى المناسبات فقط، هذا النوع يعلى من شأن الوطن والحرية والشعب والأهداف النبيلة كلها، قصائد متشابهة لشعراء متشابهين، يقنصون الصور والقوافى كما فعل السابقون، معظم هؤلاء حريص على صورة رسمها المجتمع له ووضعه فيها، وحريص - حتى لو لم يقل هذا - على أن يكون فى خانة المناضلين، قصائدهم كانت مفيدة جدا فى وقت من الأوقات، قامت بدور كبير فى تعبئة الناس (الذين يصادفون الشعر ولا يذهبون إليه)، فى السنوات الثلاث الأخيرة، كتب آخرون شعرا خاصا، يغرف من المياه الجوفية للوجدان المصرى المتدفق والمرتبك والمترقب، قصائد يصعب على مقدمى برامج التوك شو «استطعامها»، لأنها لا تشبه تصوراتهم عن الشعر، ولأن نقاد الشعر عندنا كسالى، وتفرغوا للكتابة عن روايات متوسطة القيمة.. والجوائز ولجان التحكيم والسفر، ولأن الذوق المحافظ لازال «يبرك» على صدر الخيال فى كل المجالات، صدرت أعمال كثيرة جميلة لم يسمع بها أحد، فى الفصحى والعامية، فى الموزون والنثر، وجوه جديدة تكتب بلغة جديدة، تمتلك حيلا جديدة مدهشة، أصحابها غير مشغولين بالتصورات سابقة التجهيز عن الكتابة، كلهم ينفقون من جيوبهم لكى ترى دواوينهم النور، طباعة متقشفة وورق رخيص، هؤلاء هم أجمل ما يحدث الآن، لأنهم يعبرون عن أشواقهم وأحزانهم بعيدا عن الكاميرات وعن وزارة الثقافة وعن محتكرى الوطنية ومقدسى الشكل، هؤلاء هم ترمومتر الشجن وبكارة الرؤية، هم الغلالة الشفيفة التى تلطف الجو غير الشاعرى الذى اجتاح البلد، منذ أيام وقع بين يدى كتاب صغير لشاعرة اسمها صفاء عبد العال (يبدو أنها من الأسكندرية) اسمه «حاجات مش حزينة قوى»، عن دار كلمة السكندرية، أنت أمام صوت نقى يجر أحزان جيل مرتبك، أجهدته أحزان لا قبل لنا بها، فى الوقت نفسه يبعث على الأمل، ويؤكد على قدرة المصريين والإبداع المصرى على المباغتة.
«النجمة اللى لقطتها قبل ما تقع على الأرض
كانت مطفية.
فاضطريت بدافع الشفقة إنى أخليها معايا
لكن الجبانة كانت عارفه.
شفطت كل النور اللى فى روحى
وطفتنى»
أنت مع هذا النوع من الكتابة تقف مشدوها، لأن الشاعرة تخلت عن أشياء كثيرة فى ذهنك، لكى تصل إلى قلبك مباشرة، وبلغة خالية من الدهون والصخب الإيقاعى والصور المعقدة والموضوعات التى يقال عنها «كبيرة»، تقول: «بتمنى نفسك بالمستحيل بعد ما ضيعت كل الممكن.. وبعد اللى راح منك فى اللف كل يوم على بيوت أصحابك تلم ملامحك من نعل جزمهم.. وانت مهووس بفكرة وجودك فى الزمن الندل.. ومستغرب قوى إن أحلامك كلها طلعت جبانة بالشكل ده.. وإنه مفيش ولا حلم فيهم قدر يقف جنبك.. عشان ما توصلشى للشكل اللى أنت عليه دلوقت». أنت أمام شعر لا يريد أن يعلمك «أو يتنطط عليك»، أنت أمام شعر يسعى لصداقتك، تبحث صاحبته عن المشترك المخفى بينكما، بلغة لا علاقة لها بالصالونات «البهجة دى مش بتاعتى.. فياريت محدش يضرب نار.. واللى يحبنى ما يسألنيش عن الرحمة اللى جت.. قبل راسى بكام ملّى ومارضيتشى تنزل.. وإزاى ده خلانى ساعات كتير قوى.. أشك فى وجودها.. وأضطر فى أوقات أكثر أستعمل أى فرح قديم.. علشان أقعد بيه وسط صحابى».








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة