«دعونا لا نفعل ما يفعله الآخرون، ولا نستنسخ ما ينتجون، دعونا لا نقلد «مايكروسوفت» أو نطارد «أى بى إم»، دعونا نفكر بشكل مختلف.. هكذا تحدث «جوبز» مؤسس أسطورة التفاحة المقضومة الشهيرة والتى تمثل العلامة المميزة لشركة «أبل» والأب الروحى لأجهزة الـ«أى» بكل ما يأتى بعدها سواء «آيباد» و«آيفون» و«آيبود. قال تلك الكلمات عند عودته أواخر التسعينيات إلى شركته التى كان قد طُرد منها قبل عشر سنوات، وبالرغم من كونه مؤسس الشركة فإن قوانين السوق القاسية لم ترحمه وتم إخراجه لتمر تلك السنوات ثقيلة على شركة «أبل»، وتكاد أن تُختم بانهيارها أمام منافسها العتيد «بيل جيتس» وشركته «مايكروسوفت»، بينما أعاد «جوبز» بناء نفسه وأسس شركتين جديدتين إحداهما هى شركة «بيكسار» والتى صنعت ثورة أخرى فى عالم أفلام الرسوم المتحركة وأعادت «جوبز» لنادى المليارديرات، مما اضطر «أبل» للاستغاثة من جديد بمؤسسها القديم صاحب الرؤية الثورية والعقلية المبتكرة وخرج ذلك الشعار: «فكر بشكل مختلف». لم تكن تلك الكلمات مجرد أيقونة دعائية تنطلق معلنة عودة «أبل» من جديد إلى المنافسة، ومغيرة شكل السوق التكنولوجية فى العالم خلال العقد والنصف الأخير، ولكنها كانت رسالة لمهندسى ومخترعى وموظفى شركة «أبل» أنفسهم، رسالة مفادها: لابد من التفكير خارج الصندوق، لابد من روح الابتكار. لقد كان «جوبز» متأثرًا بمقولة رائد صناعة السيارات الأمريكية «هنرى فورد»: «لو كنت قد سألت الناس عما يريدونه لقالوا لى إنهم فقط يريدون حصاناً أسرع»، وهذه حقيقة.. فما كان لصاحب رؤية أن يقدم جديدًا لو ظل يسير خلف نظرة الناس النمطية والتقليدية، ولم يكن العالم ليشهد تلك الثورة التقنية والمعلوماتية الهائلة لو استمع أصحاب العقول لما يمليه الجمهور وحسب. وهكذا كان «جوبز» وهكذا بث فيمن حوله تلك الروح، ولم تمض شهور حتى كان فى الأسواق أحد أكثر أجهزة الكمبيوتر مبيعًا فى التاريخ وهو «الآيماك» الذى كان مختلفا بشدة عن أقرانه، ثم لم يلبث «جوبز» أن أطلق «الآيبود» الذى شكل نقلة نوعية فى عالم السماع. بعدها كانت المفاجأة وانطلق «الآيفون»، وصار الكمبيوتر يسكن الهواتف المحمولة، وأصبحت تقنية التعامل باللمس فى متناول الجميع، ثم تلاه ظهور آخر تحفة تكنولوجية قدمها «جوبز» فى مؤتمراته الشهيرة وهو «الآيباد».
إن «جوبز» لم يكن مخترعًا، ولم يكمل دراسته الجامعية، وتعرض للفشل أكثر من مرة، لكن الفارق الذى صنعه، والذى جعله يعود كل مرة ليقف على قدميه من جديد مرجعه إلى أنه رفض ذلك الفشل ولم يتكيف عليه ولا على شعور اليأس والإحباط، أو يبحث لنفسه عن شماعات ومبررات تسوغ له ذلك الفشل، ولكنه ظل دومًا يفكر بشكل مختلف، ويبث فيمن حوله تلك الرؤية التى لا ترضى إلا بالأفضل، ومن قادوا التغيير فى العالم هم أولئك الذين استطاعوا أن يحلموا وأيقنوا أن لديهم القدرة على تحقيق أحلامهم دون البحث عن شماعات ومبررات خارجية تسوغ لهم الفشل؛ أناس أصحاب قلوب قوية قادرة على الحلم ولديها يقين بإمكانية تحقيق هذا الحلم، أما أولئك الذين لا يعرفون فى حياتهم إلا نظرية «اللى زى الناس ما يتعبش» ولا ينظرون إلا تحت أقدامهم ولا يملكون القدرة على الحلم ولا يرون إمكانية تحقيقه معتقدين دوما أنه ليس فى الإمكان أحسن مما كان؛ فإن أقصى نشاطهم تحريك رؤوسهم وإدارة أعينهم ليراقبوا أولئك الذين قرروا أن يتجاوزوهم ويفكروا ويغيروا، صاحب الرؤية لا يرى نفسه ظلاً لغيره لكنه يثق أنه يستطيع أن يضع بصمته، وأن يقدم لمن حوله شيئًا جديدًا لا يتوقعونه، وربما لا ينتظرونه، لكنه فى النهاية سيبهرهم، والأهم أنه سينفعهم.. فقط إذا فكر.. بشكل مختلف.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة