كان أهم ما قدمته ثورة يناير هو الأمل، ووجود إمكانية لتغيير الواقع، وبناء مستقبل أفضل، وأن الاستبداد ليس قدراً. كان الأمل إزاحة مبارك، وتنهى التسلط والفساد وزواج المال والسلطة، وغموض التوريث، والأمل فى إنهاء احتكار الثروة والسلطة، وإمكانية الوصول لتداول السلطة، أو على الأقل الشعور بالمشاركة فى السلطة، الأمل كان فى مشهد وحدة الشعب فى الميدان، واختفاء التقسيمات الدينية والعرقية والمذهبية والسياسية.
وبعد مايقرب من عامين، بدا هذا الأمل بعيداً، ظهرت الخلافات والاختلافات، وتصور كل فريق أنه يجب أن يحكم وأن وجهة نظره هى التى يجب أن تسود، ومن الطبيعى أن تكون هناك خلافات بين التيارات والاتجاهات المختلفة، والديمقراطية لاتعنى أن يكون الناس نسخة واحدة من بعضهم، لكن أن ينجحوا فى التوصل إلى صيغة للعيش معاً.
والديمقراطية والصناديق والانتخابات ليست غاية فى حد ذاتها، لكنها وسيلة، لاختيار أفضل كفاءات لإدارة السلطة والثروة لصالح الجميع.
وبعد مايقرب من ثلاث سنوات على الثورة، بدا هذا الأمل بعيداً، والسبب هو الانتهازية والطمع والسعى لسرقة إرادة الناس. وتقسيم الشعب حسب الهوى والاعتقاد، ووصلنا فى الحوار إلى أن يقول المختلفون لبعضهم «إحنا وأنتم»، واكتشفنا أن إنهاء النظام المتسلط أسهل من بناء نظام ديمقراطى يعدل الميزان المختل.
بدأ الأمل يتبخر ويخفت. ويتم تقسيم الشعب بأشكال مختلفة لصالح استقطابات دينية وسياسية وتصنيفات. وظهرت حملات التكفير والتخوين لأهداف سياسية. عندها هزمت السياسة الثورة، وامتصت أهم أهدافها وميزاتها، الأمل.
وأصبحنا أمام ديكتاتورية النكد، وتكرار الأخطاء بدون شعور بالندم أو الرغبة فى المراجعة، بينما الثورة تنجح أو تفشل بقدر ما تمنح الناس الأمل فى التغيير، ولا نرى سوى زعماء، يتفننون فى إعادة نفس الكلام وتصدير نفس الخلافات، يرفضون المطروح من دون تقديم بديل . وكل فريق لايرى سوى نفسه وصوته، وتصوراته، وبالرغم من أنهم جربوا نفس الوصفات من قبل، وفشلت، فهم يعيدون نفس الاسطوانة. ويدافعون عن الخطأ، ويطالبون غيرهم فقط بالمراجعة، ويرون فقط الآخرين هم المخطئون. وكل من يتقدم للجمهور والشعب، يفعل ذلك طمعاً فى الأصوات. بينما يغيبون عن الشارع تماماً، وطوال أكثر من عامين تعرض المواطنون للنصب السياسى، مثلما تعرضوا للنصب من قبل الحزب الوطنى.
كانت مهمة السياسة وضع خارطة طريق سياسية، تثبت أنهم كانوا يعارضون مبارك، لأنهم كانوا يملكون بديلا، لكن ماجرى أن أحداً حتى الآن لم يقدم بديلاً، واكتفى بتصدير الصراع والخلاف والنكد، والبحث عن شماعة يعلقون عليها أخطاءهم.
كل هذه الخلافات على السطح تتجاهل مصالح الأغلبية التى لم تر حتى الآن ثماراً للثورة، أحوالهم لم تتغير للأفضل، لا على المستوى المادى ولا حتى على مستوى الأمل، ليكتشفوا بعد مايقرب من ثلاث سنوات أنهم أمام متسلطين بدلاً من متسلط واحد، وبدلاً من انتهازى واحد فهم أمام فريق من الانتهازيين. ولايكتفون بالتنكيد على الناس بخلافاتهم، بل هم يفسدون عليهم أى بارقة أمل، فلا هم يفعلون، ولا يتركون الناس فى حالهم.