فى الجدل المثار حول محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، هناك من يرفضها مبدئياً، وهناك من يتحدث عن أن الخوف يأتى من احتمال التوسع فيها مستقبلاً، والأصل فى معظم هذه المواقف هو الرغبة فى حياة ديمقراطية سليمة، لكن الأمر لا يخلو من أصحاب النوايا السيئة الذين يتلقفون هذه القضية لاستثمارها فى تأجيج المشاعر ضد القوات المسلحة.
المادة (174) فى التعديلات الدستورية، تنص على، أن القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى كل الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة وضباطها وأفرادها ومن هم فى حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة، ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداء مباشراً على منشآت القوات المسحة أو معسكراتها أو ما فى حكمها أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية أو أموالها العامة أو المصانع الحربية أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التى تمثل اعتداء مباشرا على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمالها الوظيفية، ويحدد القانون تلك الجرائم ويبين اختصاصات القضاء العسكرى.
أعدت قراءة هذه المادة أكثر من مرة، ولم أجد فيها ما يساوى حجم اللغط المثار حولها، وإذا كان الأصل فى رفضها هو الطموح إلى إنهاء تدخل الجيش فى الحياة المدنية، وسد كل المنافذ القانونية التى قد تساعد على هذا التدخل، إلا أن هناك حقائق لابد من استحضارها فى مناقشة هذه القضية وتتمثل فى:
نحن أمام نص يشمل تقييداً إلى حد كبير فى إحالة المدنيين إلى القضاء العسكرى، كما أنه من المنطقى أن تكون هناك مواجهة رادعة لكل من يعتدون على المنشآت العسكرية مثل ما يحدث الآن، والتى تتم مع سبق الإصرار والترصد، وكذلك العمليات الإرهابية المتكررة ضد الضباط والجنود، فتلك المنشآت هى ملك للشعب المصرى وليس جيشه فقط، وإذا كنا نطمح إلى أن يكون لدينا جيش قوى مطمئن، فلابد من توفير سبل الحماية له ولمنشآته.
وفى حال إحالة المتهمين إلى القضاء المدنى فلنتخيل كيف ستكون طبيعة المرافعات التى ستتم دفاعاً عما يرتكبون مثل هذه الجرائم، هل من المنطقى أن يتم الدفاع عن هؤلاء المجرمين بلجوء المحامين مثلاً إلى حيل قانونية مثل المطلب بالكشف عن طبيعة المنشأة العسكرية وأسرارها وأهميتها، وربما يتطور الأمر إلى الحديث صراحة فى مثل هذه القضايا عن البناء الهيكلى للقيادة العسكرية داخل المنشأة، وأشياء أخرى من هذا القبيل، التى تؤدى إلى فساد أسرار عسكرية.
نحن أمام حالة الآن يختلط فيها الحابل بالنابل، والطموح إلى الديمقراطية يجب ألا نغفل معه المسؤولية فى الحفاظ على ضرورات أمننا القومى بمعنى الدفاع عن حدود مصر وحمايتها، ولنأخذ على سبيل المثال ما يحدث فى سيناء الآن من إرهاب ضد الضباط والجنود، واعتداءات على الحدود، وعمليات مثل جريمة تفجير مبنى المخابرات فى الإسماعيلية، هل نتعامل مع مجرميها وفقاً لرأى البعض بإحالتهم إلى القضاء المدنى؟.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة