نعم يمكن أن يعود الإخوان للحكم إذا استمرت حالة الانتهازية السياسية، وأخطر مظاهرها أصحاب المواقف المزدوجة، الذين يبدأون يومهم بمديح السيسى، وعند الظهيرة يتحالفون مع من يخدم مصالحهم، وفى المساء يغازلون الإخوان، والنموذج الحى لذلك حزب النور والسلفيون، فتصريحاتهم ومواقفهم بلون الأرض التى يقفون عليها، فكانوا حلفاء الإخوان فى حكم المعزول، ثم ارتموا فى أحضان العسكر بعد رحيله، والآن هم بعقولهم مع النظام وبقلوبهم مع الإخوان، ويسايرون الدولة المترددة بمواقف أكثر ترددا، وينتظرون الفائز لمبايعته وتأييده، ومثل حزب النور تقف معظم الأحزاب والقوى السياسية فى محطة الترقب، انتظارا لقطار السلطة القادم من المجهول.
الانتهازية السياسية هى التى جعلت بعض الفئات تنظر للدستور وكأنه غنيمة حرب، وتريد أن تحصل على نصيبها وإلا فالتمرد والمقاطعة والعصيان، ولا ينظرون للوطن المهدد بغارة إخوانية إذا تم التصويت بـ«لا»، لأن البلاد ستعود من جديد إلى ما قبل نقطة الصفر، وإذا عاد مرسى وعصابته، فلن يجد العمال والفلاحون مقعدا واحدا فى البرلمان، وليس الـ%50 التى استنفدت أغراضها ويحاربون دون وجه حق لاستمرارها، وسيطيح قانون المعاشات بنصف القضاة الذين يتشاجر بعضهم لاقتناص سلطات لم تكن لهم فى يوم من الأيام، أما الإنقاذ فلن تجد من ينقذها من أنياب وأظافر الإسلامبولى والبلتاجى وحجازى، وسوف تتمرد «تمرد» على نفسها للهروب من مصيرها المأساوى.. إنهم جميعهم يحفرون قبورهم بأيديهم، وهذا هو المستقبل الأسود الذى ينتظرهم إذا عاد الإخوان للحكم، ولكنهم لا يدركون خطورة ما يفعلون.
وكله كوم وحكومة الجزر المتصدعة بقيادة الببلاوى كوم، نصفها مع السيسى وهم الصقور أصحاب المواقف القوية، ونصفها الآخر حمائم يغازلون الإخوان ويزينون مبادرات الصلح، تركت مهمتها الأصلية وهى إنقاذ الاقتصاد المصرى، وتفرغت للرغى السياسى، فلم نسمع عن مشروع قومى كبير لتشغيل الشباب ومكافحة البطالة، ولا خطة خمسية للتنمية والنهضة غير طائر النهضة، ولا نية لمكافحة الغلاء وتحسين المستويات المعيشية، أما برامج تنشيط السياحة وجذب الاستثمارات الأجنبية واسترداد الثقة الدولية، فهى قضايا لا تعنيهم من قريب أو بعيد.. حكومة «اصرف ما فى الجيب يأتيك ما فى الغيب».
نعم يمكن أن يعود الإخوان إلى الحكم والببلاوى يمهد لهم الطريق لذلك بتصريحه الصدمة بأن مصر سترفع الدعم عن الوقود تدريجيا قبل أن ترحل الحكومة الحالية، وكأنه يريد أن يقول أنا وبعدى الطوفان، وهو يعلم جيدا أن هذه القضية ليس وقتها ولا أوانها، وأنها أطاحت برؤوس كبيرة أقوى منه ألف مرة فى عصور الاستقرار، وأنه مهما أقسم بأنه لا مساس بمحدودى الدخل فلن يصدقه أحد، وأنه قبل أن يتحدث عن رفع الدعم يجب أن يقدم مقترحات عملية مدروسة، وأن يدير حوارا مجتمعيا يطمئن الرأى العام ويهدأ مخاوفه، أما أن يأتى ويسكب البنزين فوق النار والبلاد مقدمة على انتخابات مصيرية خطيرة، فهو يعطى الإخوان سلاحا لمحاربة الدولة وإسقاطها، قبل أن يرحل هو وحكومته المغيبة.. القادم أصعب إذا لم يتم استحضار روح 30 يونيو، وكشف الانتهازيين الذين يستنفدون رصيدها، واستعادة الهمة الوطنية والشعور بالخطر، الذى جعل عشرات الملايين يتدفقون فى شوارع مصر وميادينها، لإنقاذ وطنهم قبل أن يضيع.. والقادم أسود من الليل البهيم إذا استمرت الممارسات الخاطئة التى تمهد الطريق لعودة الوحوش المتعطشة للدماء والانتقام.