إننى أسأل نفسى باستمرار.. هل تقدمت مصر بعد ثورة 25 يناير أم تأخرت؟
توقفت مرارا وتكرارا أمام جدوى الثورات والانقلابات فى حياة أمتنا.. وهل أفادت الدول والشعوب.. أم أنها أتت بنتائج عكسية.
أدرك تماما أن هذا الموضوع شائك جدا ً.. ولكنى قررت أن أتحدث عنه بما يعتمل واعتمل فى عقلى طوال سنوات طويلة من عمرى.
لقد قامت ثورة 23 يوليو ضد سلبيات كثيرة كانت فى عهد الملك فاروق وطرحت عدة مبادئ.. ولكن كل من عاصر الثورة ودرس مسيرتها يجد أن معظم هذه الأهداف لم تتحقق سوى العدالة الاجتماعية التى قايض بها الرئيس عبدالناصر الشعب المصرى بديلا عن الديمقراطية والحريات العامة.. وبدلا من استكمال مسيرة الدولة الديمقراطية وتصحيح ما كان فى عهد الملك فاروق من سلبيات وفساد تحولنا إلى دولة شمولية ديكتاتورية.
أما على المستوى القومى فلم تستطع مصر فى عهد ناصر أن تحقق الوحدة العربية أو تحقق حلم جيلنا فى تحرير فلسطين.. بل إنه مات تاركا وراءه إرثا ثقيلا لمن بعده تمثل فى احتلال إسرائيل سيناء والجولان والضفة الغربية وغزة والقدس.. فضلا عن توجيه كل إمكانيات مصر للمجهود الحربى ووقف عجلة التنمية تمامًا.
أما فى العراق فقد قامت الثورة ضد الملك فيصل وقام الثوار باقتحام القصر الملكى وقاموا بقتل الملك وكل أسرته بما فيهم النساء والأطفال وتم سحل رئيس وزرائه فى شوارع بغداد.. وتبادل النشامى من الرؤساء ومعظمهم كان من ذوى التوجهات الاشتراكية واليسارية والثورية وظل بعضهم ينقلب على الآخر حتى وصل الحكم إلى صدام حسين الذى حكم كسابقيه بدكتاتورية حمقاء قهرت الشعب العراقى حتى أن صدام ضرب شعبه الكردى بالأسلحة الكيماوية فى سابقة فريدة.. ودخل بالعراق فى مقامرة حربية مع إيران استمرت 8 سنوات كاملة أهدرت اقتصاديات العراق وأوقعت آلاف القتلى والجرحى دون أن يحقق العراق أى فائدة من الحرب.. ثم دخل فى مقامرة أخرى باحتلاله الكويت مما أدى فى النهاية إلى تدمير الجيش العراقى وطرده من الكويت ثم احتلال العراق نفسه وتقسيمه وتدمير كل شيء فيه.
ولو أننا تصورنا بقاء الملك فيصل ملكا على العراق حتى اليوم.. لكانت العراق أعظم دولة فى العالم العربى والإسلامى ازدهارا ورخاء وتماسكا وأمنا.. فلديها إمكانيات أكبر من السعودية بكثير.. ولكنها الآن فى الحضيض الأسفل فى ترتيب الدول فى كل شيء.
ولو ذهبنا إلى ليبيا أيام الملك إدريس السنوسى وأسرته التى كانت تحب الدين وتحمله وتنتسب إلى الطريقة الصوفية السنوسية التى ساهمت فى نشر الإسلام السمح فى ليبيا كما ساهمت كأكثر الصوفيين فى أفريقيا فى حركات التحرر من الاستعمار.. فقام القذافى مع رفاقه بثورة أطاحت بالملك ليحكم ليبيا 40 عاما متواصلة لأنه الزعيم.. والزعيم له كل الحقوق - على رأى عادل إمام -.. حتى أنه كان يفخر أنه عميد الحكام العرب.. مع أنه استلم الحكم وهو برتبة الملازم أول.. وكان ومازال حتى مات قليل الخبرة ضعيف الفكر فوضويا متآمرا متقلب المزاج جبارا مع الخصوم لا يعرف للتعددية السياسية أو حتى الفكرية سبيلًا.
لقد وزع القذافى ثروة ليبيا على مغامراته الفاشلة وأفكاره المخبولة وعلى شراء النفوذ فى أى مكان.. ودعم أى فصائل متمردة فى أى مكان ليعيش وهم الزعامة الكاذبة.. ناهيك عن تعاطيه للمخدرات واصطياد بنات الجامعة الجميلات وإجبارهن على معاشرته جنسيًا.. فضلا عن سحل وتعذيب وضرب الخصوم السياسيين وإبادة قراهم وعائلاتهم.. والآن ليبيا لا تعد دولة على الإطلاق.. فلا جيش ولا شرطة ولا أمن ولا اقتصاد ولا تقدم علمى أو تقنى أو صناعى أو أى شيء.. ولو ظل الملك إدريس وعائلته فى حكم ليبيا طوال الأربعين عاما لكان حال ليبيا مختلفا تماما.. ولكانت مثل كل الملكيات التى حولها وأفضل لأنها تحتوى على ثروة نفطية هائلة.. فالأردن الذى لا يملك من ثروات الدنيا شيئا أكثر تقدما فى كل شيء من ليبيا والعراق الآن.
إننى أسأل نفسى باستمرار.. هل تقدمت مصر بعد ثورة 25 يناير أم تأخرت؟
وهل تحققت أهداف الثورة من العيش والحرية والعدالة الاجتماعية أم ضاع منا العيش والحرية وذهبت العدالة الاجتماعية إلى غير راجعة.. وتحولت الحرية إلى فوضى ودماء فى كل مكان.. ولم يجد الملايين لقمة العيش الكريمة.. وازداد الفقراء فقرا وازدادت الأسعار وازدادت البطالة.. لقد كان مبارك فاسدا وطاغية وقاهرا لخصومه ولكن مصر لم تنتقل من السيئ إلى الأفضل.. ولكنها وقعت فى دوامات قاتلة من الصراعات السياسية التى أضاعت كل مكاسب الثورة بل ومكاسب ما قبلها.
ثم جاءت ثورة 30 يونيو فقلنا قد يصحح القوم المسار وتعتدل الأمور فإذا بكل شيء يضيع.. ونتحول من سيئ إلى أسوأ.. وتتحول مصر كلها إلى بركة كبيرة من دماء المصريين من إسلاميين وجيش وشرطة وعوام وأطفال ونساء ومسلمين ومسيحيين ويحترق كل شيء كنائس وأقسام شرطة ومديريات أمن ومقرات أحزاب وجماعات ومدارس ونيابات ومحاكم ومحافظات وأتوبيسات جيش وشرطة وسيارات للعامة.. وكلما قلنا سيتوقف نزيف الدماء إذا به يزداد ويتوسع.. فضلا عن الكم الهائل من التعاسات الكبرى التى أصابت معظم الناس.
إننا ينبغى علينا أن نقارن بين سبيل الثورة وطريق الإصلاح.. وأيهما أقرب لنهج الأنبياء؟
هل الثورة بما لها وما عليها أفضل؟.
أم الإصلاح المتدرج والذى يبدأ بالإنسان رغم ما يكتنف نتائجه من بطء وغموض أفضل وأسلم؟.
وسأترك الإجابة للقارئ ليحكم بنفسه.. ناظرا للتاريخ القديم والحديث.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة