أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس أن أحد أعضائها وهو ضابط سابق فى الجيش هو من قام بتنفيذ عملية تفجير موكب وزير الداخلية، ومن بعدها ظهرت جماعة كتائب الفرقان وهى التى أعلنت مسؤوليتها عن عملية استهداف المجرى الملاحى لقناة السويس باستهداف سفينة صينية، كما أعلنت مسؤوليتها عن إطلاق صاروخين على القمر الصناعى فى المعادى.
مستوى العنف ومداه وتصوير العمليات تشير إلى أن مصر قد دخلت مستوى نوعيا جديدا يقول إن القاعدة بدأت تتسلل إلى مصر، طبيعة الأهداف خاصة تلك التى تتعقبها كتائب الفرقان، هى أهداف قاعدية، وطريقة التنفيذ التى تقوم بها تلك الجماعة التى تستخدم الرصد والاستهداف المتحرك عبر إطلاق الصواريخ أو الطلقات يشير لمستوى أكبر فى التنفيذ.
وحتى عمليات أنصار بيت المقدس التى تستخدم تقنيات السيارات المفخخة والتى نفذتها فى شمال سيناء وفى الإسماعيلية ضد مبانى المخابرات الحربية وهى نفسها التى وصلت لمنطقة مدينة نصر وصورت العملية التى قامت بتنفيذها ضد الرجل الأول المسؤول عن الأمن فى البلاد يشير بصراحة إلى أننا أمام جماعات تحمل بصمات الفكر السلفى الجهادى بأدوات أكثر تقدما تقترب من أعمال تنظيم القاعدة.
مع تعرض الإقليم لما أطلق عليه «الجغرافيا السياسية الجديدة للعنف» سواء فى سوريا أو فى لييبا أو فى غرب تونس وجنوب الجزائر، وفى منطقة الصحراء وجنوبها، وسيادة نزعة ذات طابع مذهبى فى المواجهات تلك، يعود صوت السلفية الجهادية ليصعد بقوة مرة أخرى منذ عزل الرئيس مرسى يوم 3 يوليو وصعود ما أطلقت عليه من قبل «لحظات العنف»، التى تجعل العنف أحد الخيارات الرئيسية فى تسوية القضايا السياسية، وهنا تظهر السلفية الجهادية وتصعد لأن ذلك استدعاء لمنهجها الذى يقوم على العنف أداة وحيدة للتغيير والتأثير فى الجغرافيا السياسية وخرائط الإقليم.
بيد أن أكثر ما أدى لصعود السلفية الجهادية فى مصر هو تعرض نموذج الثورات العربية الذى قامت فيه الشعوب بتغيير حكامها المستبدين كما حدث فى مصر وتونس وليبيا للانكسار وعدم الاكتمال، فحينها خرجت السلفية الجهادية عبر وسائلها الإعلامية لتقول إن منهج الديمقراطية الذى اتبعته القوى الإسلامية للوصول إلى السلطة لم يكن خيارا صحيحا وإن الخيار الذى أثبت صحته هو خيار الدم والقوة والمواجهة، وهنا يأتى ما أطلقت عليه من قبل «جاذب العنف»، فالعنف والدماء والأشلاء والفوضى والتخريب له جاذبية لدى السلفية الجهادية ومن يستخدمون ذلك الخيار لأنهم يحققون أهدافهم عبر استخدام الإرهاب حتى لو كانت تلك الأهداف جزئية، بيد أن العنف الجاذب لا مستقبل له ولا حاضر لأنه يحمل فى داخله بذور فنائه.
السلفية الجهادية وصعودها فى مصر هى لحظة من لحظات تعثر طريق الثورة المصرية نحو بناء دولتها القائمة على الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، ولذا يصبح أحد التحديات الكبرى أمامنا هو استكمال أهداف الثورة لأن بديلها هو الاندفاع نحو العنف لشباب تحكمه المعانى ويهتز لشعور القيم التى يؤمن بها بالتهديد، قد يكون الفقر تفسيرا لما نطلق عليه العنف الرث كما هو الحال فى كنيسة الوراق، بينما العنف الذى تمارسه جماعات ككتائب الفرقان وأنصار بيت المقدس هو تعبير عن حالة مختلفة لا يصلح الفقر أو الأسباب الاقتصادية وحدها لتفسيره.
ليست مسألة نجاح نموذج الثورة المصرية التى تستند إلى روح الجماهير مجتمعة فى رغبتها نحو التغيير هو ترف بل هو مصير لمصر ولشعبها ولقواها الاجتماعية والسياسية، والبديل هو نموذج الحركات الفوضوية التى لا تؤمن بدولة ولا بسلطة وإنما تؤمن بالمنطق الانتحارى الذى يستخدم العنف بلا هدف واضح كجماعات الخوارج وقائد كتيمور لنك فى التاريخ الإسلامى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة