بعد 36 عامًا على رحيله فى عام 1977، ما زال الفنان المصرى الراحل "عبد الحليم حافظ" تميمة الحب ومطرب العشاق فى مصر والعالم العربى، رغم التحولات الاجتماعية الهائلة التى شهدتها المنطقة العربية، والتى غيرت كثيرا من ذوق جمهور الأغنية العربية.
و"العندليب الأسمر" أو "حليم"، كما يحب أن يطلق عليه معجبوه فى مصر والوطن العربى، تشكلت شهرته مع نجاح ثورة يوليو 1952 بمصر، حيث أرخ لهذه الثورة من خلال عدد من الأغانى، وظلت شهرته تتعاظم حتى بلغت ذروتها، بعد وفاته إثر معاناة مع المرض فى أحد مستشفيات لندن يوم 30 مارس عام 1977 عن عمر ناهز 48 عامًا.
لكن أفلامه الـ16، التى قدمها خلال مشواره الفنى، جعلته واحدا من أنجح المطربين الذين قدموا أعمالا سينمائية فى مصر، وهو ما يوثقه كتاب صدر فى القاهرة الأسبوع الماضى بعنوان "سينما حليم" للكاتب المصرى الشاب "أسامة مقلد".
الكتاب صدر عن دار "روافد للنشر والتوزيع" ويقع فى 271 صفحة من القطع الكبير، ويرصد من خلاله مؤلفه الشاب (24 عاما) - الذى ولد بعد رحيل حليم بـ12 عامًا - المشوار السينمائى للعندليب الأسمر.
ولا يعرض الكتاب رؤية نقدية لأفلام العندليب، بقدر ما يقدم رصدًا وتوثيقًا لكل ما يتعلق بهذه الأفلام.
وفى بداية الكتاب، يسلط مؤلفه الضوء على "حليم" الإنسان؛ مستعرضا حياته منذ أن كان طفلا يتيما نشأ فى ملجأ للأيتام، ثم التحق بالمعهد العالى للموسيقى العربية بالقاهرة، ورماه الجمهور بالطماطم فى أولى حفلاته الغنائية عندما غنى "صافينى مرة وجافينى مرة"، لكنه قبل التحدى، واستمر فى مشواره، ليقدم الأغنية ذاتها بعد عام واحد فى إحدى الحفلات، وقابلها الجمهور بحفاوة عظيمة.
ويرصد الكتاب مشهد الفيلم الغنائى فى السينما العربية قبل حليم وبعده؛ ساردًا تصدر الموسيقار المصرى الراحل محمد عبد الوهاب، قبل حليم، لنجومية هذا النوع من الأفلام، والذى زاحمته فيه الفنانة "أم كلثوم" التى أطلق عليها "كوكب الشرق".
ويوضح الكتاب أن دخول حليم المنافسة فى هذا النوع من الأفلام، أدى إلى تغير مشهده تماما؛ خاصة أنه كان مواكبا لتحولات اجتماعية صنعت تغيرا فى ذوق المتلقي؛ ما أتاح للعندليب مكانا خاصا على عرش الفيلم الغنائى عبر 16 فيلما هي: "لحن الوفاء" و"أيامنا الحلوة" و"أيام وليالي" و"ليالى الحب" و"موعد غرام" و"دليلة " و"بنات اليوم" و"الوسادة الخالية" و"فتى أحلامى" و"شارع الحب" و"حكاية حب" و"البنات والصيف" و"يوم من عمري" و"الخطايا" و"معبودة الجماهير" و"أبى فوق الشجرة".
وذكر مؤلف الكتاب أن فيلم عبد الحليم الأخير "أبى فوق الشجرة"، وهو من إنتاج عام 1969، اعتبر الأعظم إيرادات فى تاريخ السينما المصرية؛ إذ ظل فى دور العرض حتى وقت قريب نظرا لمنع عرضه فى التلفزيون المصرى لاحتوائه على مشاهد جرى تصنيفها على أنها "للكبار فقط".
وشمل الكتاب صورا لكل أفيشات (بوسترات عرض) أفلام "حليم"، وقصص هذه الأفلام، وكلمات جميع الأغانى التى شدا بها فى أفلامه، فضلا عن شهادات من فنانين كبار بعضهم عاصره، والبعض الآخر أحب الفن من خلاله واشتهر بعد رحيله.
ومن بين هذه الشهادات شهادة لأم كلثوم، التى رحلت عام 1975، تقول فيها: "صوته جميل جدا، وهو قادر على أن يطربك ويشجيك، ولا أعتقد أن لدينا صوتًا فى جمال صوت عبد الحليم حافظ".
أما الفنانة والمطربة شادية التى عاصرت "حليم" وشاركته بطولة بعض الأفلام فقالت عنه: "أبكى الكبار الذين يتساقطون من حولنا، إنه ذلك الفنان الحساس الذى يراعى فنه ويدقق فيه".
وقال عنه الفنان محمد منير، الذى بدأ مشواه الفنى فى نفس عام وفاة حليم: "عبد الحليم كتب له الخلود؛ لأنه لم يكن ينظر تحت قدميه، كان يتأمل التاريخ دائما، وينظر إلى داخل قلوب الناس مباشرة، وهو يغنى لهم، ويرصد احتياجات الزمن"، واعتبر منير أن "ذكاء حليم كان واحدا من أهم أسباب نجاحه".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة