أجمل الفضائل هى تلك التى ترتكبها وأنت تتغزل فى نساء مصر من ريفها وجنوبها وعاصمتها إلى شط إسكندرية وصولا إلى رفات أغلبهن المعجون بتراب مصر وقبورها.
هن القويات فى وجه السلطة، تحمل أكتافهن عوائل وأسرا لا تجد من ينفق عليها سوى زوجة أو أم أخت كبرى، هن الجبال فى وجه توحشك وتحرشك، وهن الصابرات على افتراءات شيوخك ورجال دينك.
(2)
وآخر كلام الفقرة السابقة تحديدا لنا معه وقفة!!
قال الشيخ أبو إسحاق الحوينى ومن قبله زملاء دربه من شيوخ التيار السلفى المتشدد، أن صوت المرأة عورة، وبكوا وصرخوا وأفتوا وحرموا فكرة خروج المرأة للعلم أو العمل أو التظاهر، بل تشفى بعضهم فى نساء المظاهرات والسياسة حينما سحلن وضربن بعصا الأمن.
بوجه أكثر دقة قال الشيخ الحوينى ووصل بقسوة قوله إلى قمة إنكار المرأة واحتقارها أن ظهور النساء على الفضائيات فتنة حتى ولو كن منتقبات، وحتى ولو كان هدفهن الدعوة وتعليم الناس القرآن، والرجال لم يصيبهم الخرس بعد لكى نستعين بهؤلاء وما تقوله هؤلاء النسوة فى الفضائيات الدينية كلام فارغ وحواديت مصطبة، وتصديهن لشرح أحكام التجويد وعلوم الشريعة على الفضائيات عمل مستقبح، لأنه لا حاجة لنا بظهور النساء كمعلمات وفى الرجال من هو أعلم منهن، ويمكن أن يقوم بذلك الدور على أكمل وجه، فلا حاجة لظهورها لسماع حديثها الرجال والنساء.
قال الحوينى ذلك وأيده ودعمه عدد كبير من شيوخ التيار السلفى، ولذلك كان طبيعيا أن تسمع مع المذيع الشيخ خالد عبدالله العبارة الخالدة «إيه اللى وداها هناك»، تعليقا على سحل العساكر لفتاة التحرير، وكان طبيعيا أيضا أن يستبدل حزب النور صورة المرأة فى قوائمه الانتخابية بصورة وردة، وكان طبيعيا أن يرى الشيخ شومان ومنال أبوالحسن وعز الجرف وباقى القيادات الإخوانية النسائية أن البنات اللاتى يتعرضن للتحرش فى الشارع هن السبب، بسبب ملابسهن التى تغوى الرجال.. باختصار أصبح طبيعيا وأكثر من الطبيعى كمان أن يعتبر الناس أن المرأة هى سبب كل الشرور ولا تصلح سوى للجلوس داخل قفص مغلق طبقا لتقييمات وتعليمات وفتاوى الشيوخ السلفيين.
(3)
بناء على ما سبق تقول أغلب الآراء، خاصة النسوية منها، أن الإسلام هو سبب تراجع دور المرأة وتخلف نظرة المجتمع إليها، والرد على ذلك يطول شرحه وطالما تقدم البعض لنقده وتفسيره.
هنا لن أرد أنا ولن آتيك بدراسة لأحدهم ولن أستخدم تلك العبارات الشفهية العامة التى تكتفى بأن الإسلام كرم المرأة وأعلى شأنها، أنا فقط سألعب دور المتطوع وأكتفى بنقل بعد الحقائق التاريخية التى وردت على لسان المقريزى أو ضمن دفتى كتاب «الضوء اللامع» للشيخ والمؤرخ السيخاوى.
يقول السخاوى فى كتابه: كثير من فقهاء عصر المماليك سمعوا من بعض السيدات الشهيرات اللائى أجازت لهم. وتزاحم طلبة العلم على أنس بنت عبدالكريم، وضمن فى كتابه هذا جزءاً كاملاً فيه ما يزيد على الألف ترجمة «سيرة ذاتية» لنساء عشن فى القرن التاسع الهجرى، وأخذ عنهن الفقهاء والعلماء الرجال العلم، السخاوى نفسه أخذ العلم عن السيدة موز ابنة ست الركاب بنت محمد بن حجر العسقلانى، الذى أخذ هو العلم بدوره عن عدد آخر من النساء اشتهرن فى ذلك الوقت بالفقه والورع، وهو نفس ما تكرر مع ابن القيم الذى أخذ العلم عن كريمة عبدالوهاب القرشية، وأم عبدالكريم فاطمة سعد الأنصارى، وخديجة أحمد محمد الأصبهانى، مثلما حدث مع الشيخ الفقيه الحافظ المنذرى الذى أخذ العلم عن السيدة صفاء العيش عبدالله الأشرفية الخمرية، وأم مفتوح بنت إبراهيم الشامية المصرية.
وقد تكرر ذكر العلماء الأعلام لعديد من النساء العالمات اللائى تلقوا على أيديهن، أو أنهن أجزنهم فى علم من العلوم، فتكررت لديهم عبارات: «أخبرتنا فلانة» أو «سمعنا من فلانة» كثيرا من خلال ترجمة إحدى النساء العالمات، أو سرد حديث من الأحاديث الشريفة، كان من هؤلاء الخطيب البغدادى، والحافظ ابن عساكر، وابن حجر، وتقى الدين الفاسى، وغيرهم من العلماء الذين افتخروا بذلك وكرروا ذكرهن فى مسانيدهم. ويكفينا أن نشير إلى فاطمة بنت عباس شيخة رباط البغدادية، التى لقبها المؤرخ المقريزى «بسيدة نساء زمانها»، وذكر أنها كانت فقيهة وافرة العلم. وبعيدا عن العلم والفقه يمكن أن تتأكد من مكانة المرأة الحقيقية فى مصر القديمة من هذا الوصف الذى صاغه المؤرخ محمد بن محمد ابن الحاج فى كتبه، حينما أشار إلى أن النساء كانت صاحبة الحظ الأكبر من الفخر والثناء والتعظيم فى مصر المملوكية والأقطار الإسلامية بدليل وجود ألقاب متعددة مثل ست التجار، ست العلماء، ست الفقهاء، ست القضاة، ست الناس، ست الأهل، ست الملوك، ست الخطباء، ست العرب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة