لم يضع أحمد فؤاد نجم فى حسبانه أن الدولة المصرية ستتذكره أو ستكرمه أو ستمنحه وساما أو جائزة، فهو المترفع المستغنى، وهو المسكون بجائزة الشعب وحب الناس وألفة الأرصفة والشوارع والزحام القاهرى المعتاد، وهو الذى كان يتلقى جائزة المحبة فى كل عين تراه، وفى كل يد تصافحه، وفى كل عناق يتلقاه برحابة وحب، وهو العائش فى كنف الشعب المصرى الذى يعتبره أهله وعشيرته، ففى كل حارة له بيت، وفى كل بيت له غرفة، وفى كل غرفة له قلب.
إذن لم يكن أحمد فؤاد نجم من منتظرى الجوائز والتكريمات، وهو المكرم من كل مصر، والمحفور فى العين والقلب والوجدان، لكننا نحن الذين كنا بحاجة إلى تكريمه، ترسيخا للعديد من المبادئ التى غابت عنا، وأهمها مبدأ العرفان والتقدير، فهذا الرجل كان أيقونة للحرية وأنموذجا أمثل للشخصية المصرية بتقلباتها وعظمتها وبساطتها وحنوها وإبداعها، لكننا للأسف منحنا جائزة الدولة التقديرية لشخصيات غريبة الأطوار مثل محمد الجوادى وتركنا «عم أحمد» تتلقفه أمواج الحياة وتأكل منه تفاصيل المعيشة اليومية دون جائزة أو تكريم.
المشهد الأبشع للدولة الغافلة تجلى فى عزاء أحمد فؤاد نجم، فهذا الرجل الذى له من الأفضال على الشخصية المصرية ما لا يعد ولا يحصى لم تشارك شخصية «رسمية» واحدة فى مراسم دفنه، كما أن توافد وزيرى الثقافة والتعليم العالى على عزائه بالأمس لم يكن بصفة رسمية وإنما كان لعلاقات صداقة قديمة بين الراحل والوزيرين، ولقد كنا قديماً نرجع تجاهل مبارك للثقافة والمثقفين إلى قلة وعيه وانعدام ثقافته، لكن ما حجة هذه الحكومة التى يجلس على مقاعدها العديد من المثقفين وعلى رأسهم الدكتور حازم الببلاوى، وللأسف فإن دولة مبارك التى كنا نصفها بالجهل والعمى تفوقت فى هذه الجزئية على دولة «منصور والببلاوى»، فحرص مبارك على تشييع جثمان الكاتب المصرى العالمى نجيب محفوظ بنفسه وبرغم أن مشاركته فى الجنازة كانت رمزية، وأن مدتها لم تتعد بحسب بعض الروايات الدقائق العشر، لكنها كانت «مشاركة» على أية حال، تعكس اهتمام رأس الدولة بقيمة الإبداع وأهمية المبدعين، فأين رأس الدولة من عزاء أحمد فؤاد نجم؟ أم أن دولتنا الآن «بلا رأس»؟
وليس أشد مرارة من غياب رأس الدولة عن تشييع شاعرنا الكبير أحمد فؤاد نجم إلا غياب اتحاد الكتاب المصرى عن هذا الحدث الجلل، فقد تجاهل هذا الاتحاد المتخاذل والذى تفرغ مؤخراً لمطاردة المبدعين وقيامه بدور المحتسب «بالوكالة» عزاء أحمد فؤاد نجم ولم يشارك لا فى مراسم الدفن ولا تقديم واجب العزاء، ولم يصدر حتى «بيانا» ينعى فيه روح الشاعر الكبير، ومر يوم وفاة شاعرنا الكبير دون أن ينبس مجلس إدارة الاتحاد ببنت شفة، كما لو أن الأمر لا يعنيه، أو أن أحمد فؤاد نجم لم يرب أجيالا من المبدعين والمثقفين والفنانين، وفى ظل هذا التجاهل الأعمى سواء على المستوى الرسمى أو النقابى، فإنه من العبث الآن أن نستاء من تطاول أعضاء الإخوان على شاعرنا الكبير، فإذا كانت «دولة 30 يونيو» التى دعمها «نجم» وتفرغ للدفاع عنها ومهاجمة خصومها قد نسيته فلماذا نلوم أعداء «30 يونيو» على التطاول عليه؟ نحن هنا لا نطلب من أحد «صدقة» أو «تفضلا» فقد كان ارتقاء «نجم» إلى السماء مناسبة لتقوم الدولة بدورها وترعى أبناءها الذين ظلموا طوال حياتهم، لكنها للأسف لم تستغل هذه المناسبة ومضت فى ظلم مؤيديها، والمطلوب الآن أن يتم تكريم هذا الشاعر الكبير بكل وسيلة ممكنة، وأن تبذل الدولة أقصى ما فى وسعها لرعاية إبداعه والعناية بأسرته، فهذا حق مصر وحق أبناء مصر.