ساقنى حظى العثر للمرور أمام جامعة الأزهر بالقرب من المنصة بعد ظهر الاثنين الماضى، ويا هول ما رأيك، عشرات الطلاب يقتحمون البوابة الرئيسية ويمطرون الحراس والسيارات والمارة بالطوب والحجارة، وأحدهم كان ملثما ويمسك فى يده بندقية ويجرى لداخل الجامعة، ثم تظهر سيارات الأمن المصفحة للسيطرة على الموقف، وبالقرب من السور تقف عشرون سيارة إسعاف على أهبة الاستعداد، والمشهد أقرب لأفلام الرعب أبيض وأسود، كر وفر وطلقات رصاص وقنابل دخان وألسنة لهب، وتحولت المنطقة إلى جبهة قتال زاد من سخونتها محاولة السائقين الإسراع للهروب، قبل أن تصيبهم رصاصة أو قطعة حجر، أهرب بسرعة وأدخل يمينًا فى الشارع الذى على ناصيته مسجد رابعة العدوية، يزداد الازدحام فنحن أمام المدينة الجامعية لطالبات الأزهر، وتظاهرة أخرى للحرائر لمساندة زملائهم وكمية هائلة من الحجارة ملقاة وسط الشارع.
وكان الله فى عون سكان مدينة نصر الذين كتب عليهم القتال وهو كره لهم، وكل ذنبهم أن جامعة الأزهر ومدنها الجامعية تقع فى أراضيهم.
تذكرت حين حضرت للقاهرة من الصعيد فى منتصف السبعينات، وكنت أزور ابن عمى طالب الطب بجامعة الأزهر والمقيم بالمدينة الجامعية، كانت الدنيا غير الدنيا والشوارع غير الشوارع، وكان الطلاب المغتربون مثلنا «يطفحون الدم» حتى نتخرج ونزيح الأعباء عن عائلاتنا، وكانت المدينة الجامعية أقرب للمنتجعات من حيث النظافة والأشجار الكثيفة والشوارع الهادئة ومترو مدينة نصر الرائع الذى يتمخطر بركابه المحترمين.. إيييه.. عايزنا نرجع زى زمان قول للزمان ارجع بازمان.. فهؤلاء الذين اقتحموا جامعتهم بالطوب والحجارة والجنازير والخرطوش، لا يمكن أن يكونوا أبناء الأزهر، الذى علم الدنيا الوسطية والاعتدال ومكارم الأخلاق.. الأزهر الذى كان دوما مدافعا صلبا عن القضايا الوطنية والهوية المصرية الأصيلة.. هل يمكن أن يكون هؤلاء من أبنائه وطلابه، ومن الذى أوصلهم إلى هذا الحال؟
علينا أن نعترف أن الأزهر جزء من منظومة الوطن التى تتدهور ويجب إنقاذه بسرعة قبل فوات الأوان، إنقاذه من الكوادر الإخوانية الذين اندسوا تحت جلده، واخترقوا عقول الشباب وأخذوهم إلى منعطفات التطرف والغلو والعنف والإرهاب، تحت سمع وبصر قيادات الجامعة من الأساتذة، الذين برروا عنف الطلاب أو تواطئوا معه، حتى استشرى الداء واختلت القيم، ووصلنا إلى حالة أستاذة جامعية، ظهرت فى الفضائيات فى نفس يوم الهجوم على الجامعة، تبكى وتشكو من طالبات الأزهر، اللائى دخلن عليها مكتبها وأوسعنها ضربا وخلعن حجابها، ووجهت لها إحداهن لكمة فى وجهها شقت الحاجب الأيسر، ولم تجد هذه الأستاذة من يحميها من البهدلة والإهانة.
الأزهر لن يعود للأزهر إلا إذا تطهر من ذنوب الإخوان، فهم الذين أفسدوه منذ سنوات طويلة، واتخذوه «جراچ خلفى» للتغلغل والانتشار وتجنيد الشباب وغسيل عقولهم، وإعادة نشرهم فى المجتمع، فى المدارس والمساجد ودواوين الحكومة، وصاروا أوفياء للإخوان أكثر من مصر، ولا يصعب عليهم أن يحرقوا ويحطموا ويتلفوا منشآت جامعتهم، كما يفعل الطلاب والطالبات كل يوم، إنهم حصاد مر نتج عن سنوات الإهمال ويحتاج قبضة حديدية تضرب الفوضى، وعقول مستنيرة تعيد الأزهر لأحضان مصر.