فى مصر لا تتوقف الحياة عن إبهارنا بتنوعها ونشاطها وغرائبها فهى البلد الذى قيل فيه وعنه أنه «أم الدنيا»، والأم بطبيعتها سيدة ثرية تحمل الحنان كما تحمل القسوة أحيانا، وتحمل الهم كما تحمل الفرح، تحمل الضعف كما تحمل القوة، وتحمل الحكمة كما تحمل السخافة أحياناً فى عيون أبنائها، الأم خليط من التناقض ومصر ليست بعيدة عن هذا الوصف بل هى أقرب إليه من كل نساء الأرض لو رضينا بها أنثى، ولذا فعذرى أن مقالى سيكون خليطا من الأفكار أنى أنثى من بلد يختلط فيه الحابل بالنابل.
1 - تموج الشوارع بالبشر والتراب والحجارة ومظاهرات الإخوان والأخوات والباعة المتجولين الذين صاروا ثابتين والكافيهات والسيارات والحيوانات، وكذلك تموج المحطات المصرية ببرامج لا تتوقف فى الكلام عن السياسة وأخرى ترقص وتغنى وغيرها تطبخ وتُشعر الشعب بالجوع، ولن أتوقف إلا عند برامج ومحطات الطبخ لأن فى البدء والختام الكل يطبخ ولكن بطريقته. برامج الطبخ صار لها موقع كبير على كل المحطات المصرية بل صارت هناك محطات خاصة بالطبخ، مما يعنى أن المشاهد صار مقبلاً على هذا النوع من البرامج التى صار لها نجوم ورعاة معلنون، وطبعاً لا ضير ولا ضرار من كثرتها لتعلم الناس، كل الناس رجالاً ونساءً، الطبخ الصحيح والأفكار الجيدة للتغذية وكذلك آداب الطعام وغيرها من الأمور المرتبطة بالطعام المحرك الرئيسى للحياة والصراع البشرى، ولكن لى ملاحظة لا أظنها غير مرتبطة بالشأن العام فى الإعلام وخاصة المرئى، ففى بلد يمثل فيه الفقراء نسبة أكثر من %80 من سكانه يكون من المثير للدهشة والاستنكار والاستعباط أن تكون كل البرامج التى تتجه لتعليم الطبخ لهذا الشعب الفقير أغلب محتواها البيكاتا بالشامبينون أو الفواجارا بالورشيستر صوص وفطيرة السيمون فيليه والحلو تورتة مارون جلاسيه.
يا أيها المسؤولون والمعدون لبرامج وقنوات الطبخ، أكثر من %80 من سكان هذا الشعب لا يعرف طعم اللحم إلا فى المواسم وصارت الفراخ ولحومها عزيزة عليهم وأغلب الوقت يكتفون بعظامها وأجنحتها، أما السمك فلحمه أيضاً صار عزيزاً، فلا مانع من أن تتوجهوا إلى الطبقة الغنية المستريحة من هذا الشعب ببرامجكم فهم شعب أيضاً ولكن وأنتم تعدون قوائم طعامكم تذكروا أن غالبية المشاهدين فقراء، يستحقون أيضاً أن توجهوا لهم أفكاراً ولكن على قد لحافهم وفقرهم، ولا تكونوا كحكامهم يتحدثون عن الفقراء ليل نهار ولكنهم وقت الطبخ لا يتذكرونهم.
2 - كفاكم الله شر خصومة النساء، فهى أصعب الخصومات ولا يعرف حقيقتها إلا امرأة، ولهذا فحين أرى شوارع مصر وخاصة جامعاتها تموج بنساء الجماعة أو من يُطلق عليهن الأخوات أعرف أن المعركة ليست سهلة مهما قل عددهن، فلى ذكريات وتجارب كثيرة فى خصومة النساء وهذه واحدة منها لتعرفوا أن المعركة ليست معركة حرائر ولا غيره، بل معركة أقسى من معارك كل الرجال. منذ سنوات حين انتشرت بلاجات النساء فى مصر ذهبت إلى إحداها وكتبت عن تلك الظاهرة أرصدها، وفى ذات الوقت لم أكن من المهاجمين لها ولكن كعادة الصحف اختار رئيس التحرير آنذاك عنوانا مثيرا لموضوعى فإذا بى أقع فى براثن خصومة نسائية من مجموعات من النساء يرتبطن بالجماعات السلفية وبالإخوان، وكأنهن تصورن أن موضوعى الصحفى الخاص ببلاجات النساء موجه للهجوم على الدعوة الإسلامية، وكانت لى صديقات مقربات من بينهن، فإذا بإحداهن تتصل بى وتقول لى أنى صرت عدوة لكل ما هو إسلامى وأن الأخوات فى مارينا «ولاحظ أن هذه فئة الأغنياء منهن» بالتحديد يُقمنّ جلسات دعاء علىّ أنا الفقيرة لله، بل لم يخل الأمر من تهديدى بأن ظهورى فى مارينا عموماً وفى أى شاطئ للنساء خصوصاً كفيل بأن أتلقى علقة موت كما قالت لى أى والله هذا ما حدث وطبعا لست فى حاجة لأن أحكى لكم عن الاتصالات التليفونية المجهولة التى كانت تحمل من الشتائم ما لذ وطاب وكل ده بس لأنى تحدثت عما ظنوه مظهرا إسلاميا. وبغض النظر عن تفاصيل وتداعيات هذه المعركة الفردية وغيرها من معارك شخصية أخرى مع سيدات ينتمين للجماعة، فإنها مجرد مؤشر لأن أقول وبثقة أنه إن كانت خصومة النساء عموماً بلاءً كبيرا فإن خصومة نساء الجماعة أقسى من خصومة رجالها فالأمر ليس أمر حرائر وقوارير الأمر جد حرب لا تستهينوا بها.
3 - منذ أسابيع كتب باسم يوسف مقالاً بعنوان معركة الأصابع يتعجب ويسخر ممن يجعل من إشارة الصوابع الأربعة إشارة تستدعى الحرب عليها والتوقف أمامها ومحاسبة لاعب كرة قدم على رفعها ولباسم ولمن يتبنى نفس النهج ويرى أن مجرد إشارة أصابع لا تستدعى كل هذا اللغط أقول لهم إن شارات الأصابع لها معانى فإن وجهت لك السبابة فى وجهك دون كلمة فهى إشارة عدائية قد تستدعى خناقة من حضرتك، ثم هناك إشارة صوابع النازية التى تحظرها ألمانيا ودول أخرى، فلباسم يوسف ومن يستهين بالأصابع هذه ليست بدعة مصرية.. نعم نحن فى معركة الأصابع.