أهم ما فى مشروع الدستور الجديد الذى سيتم الاستفتاء عليه يومى 14 و15 يناير المقبل، أن إنجاز التعديلات عليه لم يتم وفقا لمنهج الترصد والثأر من فئة لحساب أخرى، وذلك على العكس تماما من دستور 2012 الذى أشرفت على إخراجه جماعة الإخوان.
خذ مثلاً فى «دستور الإخوان 2012» دارت عجلة الانتقام من المحكمة الدستورية، فتم وضع نصوصها بطريقة انتقامية وعلى مقاس ما تريده جماعة الإخوان، وتجلت روح الانتقام فى ضبط النص الخاص بالمحكمة بتخفيض عدد هيئتها القضائية حتى يتم خروج الشخصيات التى لا تريدها الجماعة.
لم يكن ما جرى للمحكمة الدستورية هو الوحيد الذى ظهرت منه رائحة الانتقام، بل امتد أيضا إلى الإبقاء على نسبة الـ«%50» عمال وفلاحين، والأسرار التى تكشفت فيما بعد عن سبب الإبقاء على هذه المادة كانت فضيحة بجلاجل، فطبقا لكلام الدكتور رمضان بطيخ، عضو الجمعية التى وضعت الدستور والذى انضم إلى حزب الوسط فيما بعد، فإن كل أعضاء الجمعية كانوا مقتنعين بإلغاء هذه النسبة، ودخلوا الجمعية وهم عاقدون العزم على ذلك، لكن وحسب كلام «رمضان بطيخ»: «إحنا لاقينا العمال والفلاحين هيغضبوا، واحتمال أن يؤثر ذلك سلبياً على الاستفتاء، فقررنا الإبقاء على هذه النسبة، ولكن قررنا أن نفتح صياغتها على الآخر، ووضع تعريف للعامل والفلاح بحيث أن تكون النسبة وكأنها لم تكن».
كانت هذه الشهادة التى قالها رمضان بطيخ علنا دليلا على خراب الذمة من أعضاء الجمعية، ودليلا على أن المنهج الذى كان يتم به وضع الدستور كان تلفيقيا بامتياز، ويفتقد إلى النزاهة الوطنية.
رأينا العقم أيضاً فى وضع المادة 219 والتى تم إلغاؤها فى الدستور الجديد، جاءت هذه المادة باقتراح من السلفيين وحزب النور فى «الجمعية»، ورغم أن جماعة الإخوان وافقت عليها بقناعة فكرية تامة، دون أدنى اهتمام للآراء الأخرى المعارضة، فإن ما كان يهمها فى هذا الأمر هو الحشد للتصويت دون الالتفات إلى ما تحمله هذه المادة من مخاطر.
هناك أمثلة أخرى كثيرة، تقودنا إلى أن «دستور الإخوان» لم يكن الدستور الذى يليق بمصر بعد ثورة 25 يناير، وكان تعبيراً عن جماعة تبحث عما يؤسس لها البقاء فى الحكم سنوات طويلة أخرى، وجرى تسويق هذا الدستور بعبارات ساقطة مثل، إنه الدستور الأفضل فى تاريخ مصر بل فى العالم كله.
فى الدستور الجديد، نحن أمام منهج مختلف امتلك الجرأة فى اقتحام المناطق الشائكة، منهج لم يكن فيه روح التربص والثأر التى سادت من قبل، وعليه جاءت النتيجة موفقة إلى حد كبير، وحمل إيجابيات كبيرة فى الحريات والحقوق السياسية والاجتماعية، وحظر الأحزاب على أساس دينى، وسد باب الفتنة الدينية التى كانت ســتأتى من وجود المادة 219 وغيرها، وقد يكون هناك بعض الملاحظات على قليل من المواد فيه، لكن أن تناضل فيما بعد من أجل تغيير هذه المواد القليلة أفضل مائة مرة من النضال من أجل تغيير الدستور كله.
الموافقة على الدستور الجديد بنسبة كبيرة، ليس استفتاء فقط على 30 يونيو، وإنما رفض لكل من سعوا إلى إعادة مصر للوراء، عبر وضع دستور يحقق لهم طموحهم على حساب مصر تاريخاً وجغرافيا وشعباً.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة