ليس موقفًا من الدستور، لكنه موقف من المرحلة بأشخاصها وتفاصيلها وقراراتها.. لسنا فى وضع مثالى يسمح بالألعاب العقلية والإنشاء العاطفى، بل هى مواقف نسبية واجتهادات، يقدمها من يتصدون للمسؤولية بصرف النظر عن صحتها، أو خطئها، والأمر نفسه ينطبق على الرأى الآخر المعارض، خاصة إذا لم يكن يمتلك بديلًا واضحًا، إنما يكتفى بـ«مصمصة» الشفاه، أو يسعى لتحسين شروط الواقع، أنت تقول نعم أو لا، لكن هناك من يفضّل «البين بين»، ثم يقاطع.
يشكك فى السلطة من أجل أن يستبدل بها سلطة أخرى. البعض يتصور أنه يواجه السلطة من أجل إلغائها، بينما يخدم سلطة ما سوف تأتى وتركب بصرف النظر عن النية.
يتصور بعض الكتاب والمعلقين والنشطاء فى وضع الـ«بين بين»، أن مهمتهم مواجهة سلطة ما، دون أن يدركوا أنهم شركاء فى هذه السلطة التى لا تتمثل فقط فى رجل البوليس، أو فى الحكومة، أو حتى الرئيس، إنما تتوزع بين الإعلام والمال والسلاح، والمعرفة والمسجد والشيوخ والمدرسة والشارع، وكل من يمتلك قدرة على التأثير فى عدد من الناس قل أو كثر.
أحيانًا يقع المعلقون فى فخ سلطة القراء أو المؤيدين و«الفلورز»، وبالتالى يلجأون إلى الكتابة الملتبسة الإنشائية التى يدينون فيها كل الأطراف، لأنهم لا يريدون اتخاذ موقف واضح تجاه ما يحدث، يتصورونها ثورية بينما هم فى الواقع يخضعون لسلطة المؤيدين والمصفقين والمتابعين، ولهذا فإن بعض النشطاء والمنتمين للقوى السياسية يتمسكون بموقف واحد طوال ما يقرب من السنوات الثلاث، لأنهم لا يرون أى تغيير، سواء مع المجلس العسكرى أو الإخوان أو المرحلة الانتقالية بقيادة الرئيس عدلى منصور والحكومة. ولا يجدون فرقًا يدفعهم لمراجعة أفكارهم، أو التساؤل عما إذا كان عليهم أن يغيروا طريقتهم فى مواجهة السلطة، بل إن بعضهم يخجل من اتخاذ موقف واضح، حتى لا يُحسب على السلطة الحاكمة، بينما هو ينحاز لسلطة أخرى موجودة وتصارع من أجل البقاء، أو فرض السيطرة.
فى المراحل الانتقالية لا يوجد وضوح كامل ولا اتجاهات، إنما غرائز ومصالح، وأى موقف يتم اتخاذه يصب فى صالح سلطة ما، وبالتالى فإن فكرة الاستقلال والتعالى خرافة فى عالم السياسة.
لكن كبار المتصورين لا يفكر أى منهم فى مراجعة خطابه، ليكتشف أن اتخاذ نفس المواقف فى مكان وزمان مختلف قد يعنى البقاء فى الجانب الآمن نظريًا، بينما هو موقف يخضع لابتزاز الآخرين، ربما لهذا يفضل البعض اللجوء إلى الجمل الإنشائية التى تعجب البعض، وتجلب التصفيق دون أن تعنى شيئًا.
وسوف ترى من يتحدث عن دستور 2013 مثلما كان يتحدث عن دستور 2012 دون أن يكون قرأ الأول أو الثانى، ويكتفى بأفكار «قص ولصق» سمعها أو شاهدها.. يقول كلامًا لإرضاء «الفلورز» والمشاركين، وهى ظاهرة لدى بعض سكان العالم الافتراضى عشاق الكلام الأجوف الرنان، يتحاشون مواقف واضحة قد تكلفهم ثمنًا.
بعضهم يرى الدستور الجديد أفضل من السابق، لكنه سيقاطع، وبعضهم يراه مثل السابق، وسوف يقاطع لأنه لا يفضل نعم أو لا، حتى لا يُحسب على أحد، وفى كل الحالات هو لا يقدم للمواطن بديلًا عن موقفه الموافق أو الرافض، ومع هذا يطالبه بموقف هو نفسه لا يمتلك شجاعة اتخاذه.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة