ناجح إبراهيم

بين إندونيسيا الخضراء.. ومصر الصفراء

الخميس، 19 ديسمبر 2013 06:01 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سافرت إلى إندونيسيا بدعوة من جمعية العلماء ووزارة الشؤون الدينية.. فاسترحت هناك من عناء متابعة الصراع السياسى المصرى الذى لم يترك بيتا إلا دخله، وأدخل فيه الهم والحزن والكآبة.. وسعدت بترجمة بعض كتبى إلى اللغة الإندونيسية، وعودتى مرة أخرى إلى مهمة الدعوة إلى الله فى أجمل بلاد الله.
• أنت فى إندونيسيا لا ترى إلا الخضرة.. تراها مد البصر.. لا نهاية لها.. ليست هناك بقعة صفراء واحدة فى جزر إندونيسيا.. ولولا الأسفلت–كما قال لنا كل من زار إندونيسيا من قبل- لما رأيت لونا آخر سوى الخضرة.
• إنك ترى أشجار الموز والمانجو والأناناس على جانبى الطريق العام.. وعلمت أنها تنبت وحدها لأن الأمطار هنا طوال العام بلا انقطاع.
والمناخ حار فى العام كله وشبه موحد فى كل الفصول، لأنها تمر بخط الاستواء.. ولو ألقيت أية بذور فى أى مكان لوجدتها بعد عدة سنوات أشجارا ًعالية مثمرة دون عناء.. إنها جنة الله فى أرضه حقا ً.. فالخضرة على رؤوس الجبال.
• وإندونيسيا تتكون من 13 ألف جزيرة.. وهناك جزر ليس لها اسم وغير مأهولة حتى اليوم.. ويتكلم السكان هناك 630 لغة، وهناك سبعة أديان هى على الترتيب فى الانتشار: الإسلام وتدين به الغالبية العظمى من السكان.. ثم البروتستانت، فالكاثوليك، فالبوذية، فالهندوسية، فالوثنيون.. والوثنيون قلة قليلة هناك، ولكن الجميع يعيش فى سلام ووئام.
• فالإندونيسى دائم البسمة مهما كان منصبه، هو يبتسم ويرحب بك باستمرار.. وكل شىء يبدأ فى الصباح الباكر حتى المحاضرات والندوات لا تكون ليلا، أبدا وكلها تقام فى الثامنة صباحا، والمؤتمرات كذلك.. بل وحفلات التخرج من الجامعة.. فقد رأيت الآباء والأمهات وهم يلتقطون الصور سويا مع أبنائهم فى السادسة والنصف صباحا، استعداداً لحفل التخرج من الجامعة الذى كان يقام فى الفندق الذى أقيم فيه.. وكانت لنا مع دعاة آخرين من الشرق الأوسط محاضرة فى الجامعة الإندونيسية فى الثامنة صباحاً.
• وإذا ركبت التاكسى أو الأتوبيس فى السادسة أو السادسة والنصف صباحاً رأيت الشوارع مزدحمة عن آخرها.. وكأن إندونيسيا كلها خرجت إلى الشارع.
• وكل إندونيسى لديه موتوسيكل تقريبا.. حيث إنه أهم وسيلة مواصلات يركبه الزوج مردفا وراءه زوجته، وتركبه المرأة لتصل إلى عملها وتردف ولديها خلفها لتوصيلهما إلى مدارسهما ولتعيدهما مرة أخرى إلى المنزل. 
• ورغم وجود الأشجار وتساقط أوراقها، فلا ترى ورقة واحدة على الأسفلت فالشوارع والأشجار تغسلها الأمطار كل يوم تلقائيا.
• لم أر شجرة واحدة فى الأرياف التى مررت عليها سبع ساعات بالقطار عليها ذرة تراب، لأنها تغسل فى كل يوم بالأمطار.. ولم أر راكب موتوسيكل واحدا لا يلبس الخوذة، أو يخرق إشارة المرور، حتى المرأة تلبس الخوذة هناك.. فالقانون هناك صارم ويلتزم به الناس من تلقاء أنفسهم.
• والأتوبيس العام مكون من أتوبيسين مدمجين، مثلما فى تونس وله محطات وطريق خاص به، لا تمر به أية سيارات أخرى حتى لا يتأخر أبدا فى وقت الزحام والذروة.
• قلت فى نفسى إن هذه البلاد يسكنها مائتان وثلاثون مليونا مختلفون فى كل شىء فى الأديان، واللغات، والأعراق.. فهناك من أصله عربى، وهناك من أصله صينى، وهم أغنى السكان، والمتحكمون فى المال والتجارة والاقتصاد.. وهناك المالاويون وهم من جزر الهند الصينية.. فكيف يعيش هؤلاء جميعاً بهذه الروح الجميلة والرئيس ونائبه من المسلمين.
• والعطلة الأسبوعية هى الأحد وليست الجمعة، دون أن يحدث ذلك صراعات ومشاكل.. حتى أننى تحدثت مع الكثير من العلماء الإندونيسيين الحاصلين على الدكتوراه والماجستير فى الشريعة، فقالوا: هذا أمر عادى ما دمنا نأخذ وقتنا لصلاة الجمعة فلا حرج.. حيث إن الأصل فى يوم الجمعة العمل: «فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِى الْأَرْضِ».
• وقد تولت السيدة ميجاواتى رئاسة الجمهورية منذ فترة، وكانت هناك اعتراضات دينية من بعض العلماء على تولية المرأة.. ولكنها اعتراضات فكرية مهذبة، لا تخرج إلى دائرة الصراع والحرب أو حتى الشتائم والتخوين.
• ويوم الأحد تخرج الأسر الإندونيسية – حتى المسلمة منها – إلى الميادين العامة لتملأها، وتتمتع بالإجازة الأسبوعية، ويمنع مرور السيارات فى بعض الطرق يومها لتترك للرياضة والجرى.
• قلت فى نفسى: ما هذا الشعب الطيب؟.. وأين نحن منه؟.. ونحن إذا لم نجد سببا للصراع السياسى خلقنا له سببا.. وأدرنا معارك لا أول لها ولا آخر فى غير ميدان.
• وقلت: هل هؤلاء أفضل منا وأحكم منا وأحلم منا؟
الناس فى إندونيسيا لا يهتمون بالسياسة كثيرا ً هم يهتمون بعملهم قبل كل شىء، ويعتبرون أن الإنسان هو مناط التغيير وليس الحاكم.
• وعلاقة الإندونيسى بالحكومة نادرة.. فالأرض واسعة ولديه بيته الريفى ولو أراد الفلاح لبنى عدة بيوت فى أرضه.
• وهو يزرع الأرز حتى أمام بيته وكذلك الخضار والفاكهة ولديه وسيلة مواصلاته الخاصة به.. وقد يربى مواشى وغيرها دون أية مشاكل.. فلا صراع بينه وبين أحد ولا تداخل بينه وبين الحكومة.
• إنه سلام النفوس الذى نفتقده فى مصر، ومازال أمامنا الكثير حتى نحققه.. فنحن نعيش فى وهم مصر القائدة والرائدة.. ونحن فى ذيل الأمم الآن فى كل شىء.
• فأين مصر الصفراء رغم امتلاكها لنهر النيل.. التى تعتمد على الأمطار فحسب؟.
• وأين مصر المتصارعة مع نفسها من إندونيسيا المتسامحة مع نفسها؟
• إندونيسيا صنعت ثورتها الخاصة بها من داخل الإنسان ومن المجتمع دون أن تراق الدماء، ودون أن تحرق الأخضر واليابس.. فالناس هم الذين غيروا أنفسهم بأنفسهم وصنعوا سلاما لأنفسهم مع أنفسهم.. فكان هذا الجمال والنظام الذى يبهر الجميع.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة