إن المتابع للحالة الاقتصادية المصرية منذ سنوات يدرك أن العمل الخيرى وقيم البر وصنائع المعروف تعد من أهم عناصر «الستر» الذى جعله الله سببا لتستمر حياة ربع المصريين تقريبا، الذين هم تحت خط الفقر طبقا لآخر بيان للجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء منذ أسبوعين تقريبا، والعمل الخيرى يشمل كل أنواع البر والإحسان سواء أكانت مؤسسية كالجمعيات الخيرية ومؤسسات الكفالة ولجان زكاة المساجد الأهلية أو الرسمية ويشمل المنفقين والجوادين بشكل فردى. يتشكل مما سبق عمود رئيسى يدعم حياة هذا القطاع العريض من الشعب المصرى والذى لم تلتفت إليه الدولة تقريبا على مدار عهودها. هذا العمود قد أصابته شروخ خطيرة تكاد أن تنقضه وتسقطه تماما، مؤخرا شكا لى كثير من الأصدقاء القائمين على تلك المؤسسات الخيرية من عجز شديد فى الموارد قد أصابهم فى الشهور الأخيرة بسبب توقف كثير من المنفقين والمتبرعين عن عطائهم أو التقليل منه بنسب كبيرة.
بعد تتبع واستقصاء وجدت مثل تلك الشكاوى تتواتر بشكل محزن ومع مؤسسات وجمعيات خيرية كبيرة ومعروفة لا توجد لها يقينا أى علاقة بأحزاب أو جماعات. هذا العجز يعتبر فى رأيى أحد آثار حالة التردى والاستقطاب السياسى التى نمر بها والتى يعد تسربها إلى العمل الخيرى من أخطر الأمور على الفقير الذى لا يشعر به أحد وربما لا يدرك كثيرا من أبعاد الصراع ولا يهمه كثيرا تلك الأحداث الدائرة من حوله، ذلك المعدم العاجز عن العمل أو رب الأسرة الذى لا يغطى نفقات أسرته حتى منتصف الشهر أو تلك المرأة الغلبانة التى لا تملك إلا قصعة تضع فيها كل صباح بضعة حِزَم من الخضراوات ربما لن تكفى لسد أفواه أبنائها، وهؤلاء هم من يعانون الآن بسبب عجز الجمعيات الخيرية وأهل البر والإحسان عن مساعدتهم.
إن هذا العجز فى قدرة ما تبقى قائما من المؤسسات الخيرية له أسباب وعوامل ليست محصورة فى تردى الحالة الاقتصادية وحسب.. الكراهية المتبادلة والتشكك المستمر وشائعات استغلال الجمعيات لأموال الزكاة والصدقة فى الشأن السياسى وامتناع البعض من غير أصحاب الانتماءات عن إعطاء تلك المؤسسات خوفا من ذلك، وعلى صعيد آخر امتناع بعض المنتمين للتيارات الإسلامية عن تلك النفقات بسبب شعورهم بالإقصاء والكراهية ممن كانوا يوما ينفقون عليهم ويكفلونهم، كل ذلك أدى فى تقديرى إلى تزايد هذا العجز وفى النهاية الفقير هو الضحية وهو الذى لا يعنيه كل ذلك ولم يكلفنا الله أن نعقد له امتحانا فكريا أو أيديولوجيا لنعطيه بل كلفنا أن نرحمه ومن لا يرحم لا يُرحم. لذلك أدعو من خلال هذا المقال كل من لم يستطع تجاوز شكوكه ومشاكله السياسية والأيديولوجية ألا يكون قراره هو التوقف، فليبحث عن مؤسسات أخرى يثق بها أو لينزل هو بنفسه ما دام لا يستأمن أحدا وليلمس حاجة الفقير على أرض الواقع وليواسه بماله فى هذا الشتاء القارس وذلك الغلاء الفاحش، ولنتذكر جميعا حين أوقف أبوبكر الصديق نفقته على رجل أنفق عليه أعواما بعد أن خاض فى عرض ابنته فقال الله: «وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِى الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ* وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا* أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ».. إن هذا فى تقديرى من أهم المحكات الذى تظهر حقيقة الصدق والإخلاص والعمل المتجرد لله وحده وليس لأى مصلحة دنيوية ولتكن القاعدة والنية التى ينطلق منها الجميع على اختلاف توجهاتهم فى معاملة الفقير والمسكين تلك المستمدة من حديث «ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء».
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة