الجناة فحسب هم الذين يلقون باللوم على الضحايا، والجناة فحسب هم الذين لا يرون فى الشناعة أمرا إدا، والجناة فحسب هم الذين يعتبرون الجانى مجنيا عليه، يلتمسون له الأعذار، يدبجون له المبررات، يشكلون بدفاعهم عنه سدا أمام العدالة، لا يخافون من يوم تتبدل فيه الأدوار، فقد انتشر الظلم واستبيحت الكرامة وانتهكت الأعراض وتبدلت الذمم، ودمرت الثقافة وتشوه الوجدان، ولذلك كان طبيعيا أن يلقى بعض المشوهين باللوم على الفتيات اللاتى يقعن ضحية التحرش الجنسى، مختلقين الأعذار للمجرمين الذين يقومون بهذه الفعلة الوقحة، متحججين مرة بالإثارة بملابس الفتاة، ومرة بانحلال أخلاقها، ومرة بضعف تدينها، متجاهلين حالة الانحدار الأخلاقى التى نعيش فى ظلها، وأن ظاهرة السعار الجنسى انتشرت فى مصر بشكل غير مسبوق، وأن المتحرشين الذين يقومون بهذه الجريمة لا يتوقفون كثيرا أمام ملابس الفتاة أو أخلاقها، وإنما تسوقهم رغباتهم الدنيئة بغير عقل إلى انتهاك حرمة البشر وعرضهم.
وكان طبيعيا أيضا فى ظل حالة التعامى عن انتشار الظاهرة وعدم علاجها بشكل حقيقى، أن تتمدد هذه الظاهرة، وأن تجد فى مدارسنا ملعبا جديدا لدرجة أن تحدث حالة اغتصاب دامية فى حمام مدرسة بالعمرانية لنكتشف بعد هذا، أن هناك تشكيلا عصابيا من أبناء هذه المدرسة يغتصبون الأطفال الأصغر سنا والأضعف بنية تحت تهديد السلاح، وليس هذا فحسب وإنما يسرقون أموالهم «البسيطة»، ضاربين عليهم خيمة الرعب ليلا ونهارا، لتصبح «المدرسة» وكرا لصغار السارقين والمغتصبين والبلطجية، تحت سمع وبصر الدولة التى لم تفعل شيئا «حتى الآن» لمحاربة هذه الظاهرة والقضاء عليها كلية، فى شوارعنا ومدارسنا ومواصلاتنا.
لن أندهش أبدا إذا ما رأيت أحدا يعلق على هذه الجريمة البشعة بالقول: وإيه اللى دخله الحمام؟ فقد قال أحدهم من قبل تعليقا على انتشار ظاهرة التحرش بميدان التحرير «وإيه اللى نزلها التحرير؟» فهؤلاء هم المجرمون الحقيقيون، ومن يستمع لهم مؤمنا بالسفالات التى يرددونها مجرم مثلهم، ولا أنسى هنا حالة الهجوم التى شنها بعض المتأسلمين عندما أدان الدكتور محمد البرادعى هذه الظاهرة، ودعا إلى محاربتها واصفا من يقوم بهذه الجريمة بالهمجية، قائلا «التحرش الجنسى ظاهرة لا توجد إلا فى مجتمع همجى مختل القيم، والدين عقيدة ومعاملة وليس فقط طقوسا وشعارات ويجب أن ترقى العقوبة إلى مستوى الجريمة»، فانهالت عليه سهام المتأسلمين، وظهر بعضهم فى فضائياتهم الغابرة ليسب البرادعى ويسب المجنى عليها، ويسب من يلوم الدولة على هذا الأمر، ووقتها كتبت مقالا بعنوان «ليس همجيا فحسب» فنالنى من الهجوم نصيب، لنقع كلنا فى حالة تخدير علنى ليتغافل الشعب عن محاربة ظاهرة «السعار الجنسى» لنصرع بها بعد هذا فى بيوتنا ومدارسنا.
ما حدث فى مدرسة العمرانية ليس أكثر من «عينة» لما يحدث يوميا فى العديد من المدارس، فقد انتابنى الرعب حينما شاهدت الصور التى نشرتها «اليوم السابع» للحمام «مسرح الجريمة» الذى تم فيه اغتصاب الطفل، وأيقنت أن مسألة اكتشاف هذه الجريمة ليس أكثر من «تحصيل حاصل» فقد امتلأت هذه الحمامات بالرسوم الإباحية لدرجة وجود رسم يوضح عملية الاغتصاب مصحوبا بتعليق صوتى للطفل المغتصب، وكأنه يتأوه من الألم، وإننى هنا أحمل مؤسساتنا التربوية والحقوقية والبحثية مسؤولية هذه الجريمة فقد ذهب الجميع إلى المعارك السياسية، وتركنا أبناءنا نهبا للجريمة، ما يؤكد أن مستقبلنا فى سبيل الانهيار، إذا لم ننتبه لتلك الفاجعة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة