أكرم القصاص

مأساة بهنس.. وملطمة الميت والحى

السبت، 21 ديسمبر 2013 07:12 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحولت وفاة الكاتب السودانى محمد بهنس على أرصفة وسط القاهرة إلى مناسبة للطم والهجاء، وذكر مناقب الفقيد ميتا، وهم من لم يلتفتوا إليه حيا، وربما لو كان من رثوه وهاجموا موته التفتوا إليه ولو بكلمة لعاش أفضل أو حتى مات أفضل. لكنهم تجاهلوه، ثم بعد رحيله فتحوا مكلمة المراثى، وهاجموا الجميع.

هى مأساة على كل حال، شارك فيها زملاء ومعارف بهنس من المصريين والسودانيين بالقاهرة، ممن لم يلتفتوا إليه والى مأساته، حتى مات فأصبح «الابن المفضل». ومأساة كل من اعتادوا إدانة ما يحدث، من باب التطهر، ومن دون أن يحاولوا المساعدة بأى شىء. وبعضهم كان يراه ومازال يرى مثله مشردا من دون أن يفعل أى شىء.

محمد بهنس كاتب وشاعر وفنان تشكيلى جاء من السودان للقاهرة قبل عام أو أكثر، أقام معرضا للفن التشكيلى ولم يعد للسودان، وحسب ما هو متاح من معلومات ممن عرفوه فقد كان يسكن فى العتبة لفترة تركها بعد أزمة مالية ليعيش على أرصفة وسط البلد. حتى مات على الرصيف ونقل لمشرحة زينهم وظل حوالى أسبوع حتى تعرف عليه معارفه. بما يشير إلى أن أحدا لم يكن يهتم بوجوده أو يقلق لغيابه. مثله مثل مئات المشردين على الأرصفة.
وحتى المعلومات التى تداولها البعض حوله أغلبها من أصدقاء الراحل بالسودان، ومنها أنه سافر إلى فرنسا وتزوج وأنجب طفلا ثم اختلف مع زوجته الفرنسية وطلقها، وتم ترحيله ليعود إلى السودان ويفاجأ بموت والدته، وينعزل قبل أن يحضر للقاهرة ويستقر بلا عمل. وهل كان يعانى مرضا نفسيا دفعه للتشرد أم أن التشرد هو ما ضاعف اكتئابه؟.

فهل كان خبر وفاته صدمة لمعارفه وأصدقائه من السودانيين والمصريين، أم أن موته كان تعرية لكل من تجاهل وجوده حيا ومشردا على رصيف وسط البلد بلا مأوى ولا غطاء مثل كثير من المواطنين الذين ماتوا من البرد والإهمال؟، ويقول أحد معارف الراحل من السودان إنه فوجئ ببهنس فى القاهرة منذ عام، وكان فى وضع يرثى له، يختلف عن وضعه بالسودان عندما ألف رواية «راحيل». بعض الذين عرفوه قالوا إنهم رأوه مشردا ولم يكونوا يعرفون أنه مبدع.. مغنٍ وعازف وشاعر وروائى وتشكيلى وينتهى به الحال أن يموت من البرد على الرصيف، وكأن على كل مشرد أن يضع لافتة تشير لعمله.

لقد كانت وفاة بهنس مأساة، تحولت إلى ملهاة على فيس بوك وملطمة، لكل من يريد أن يدين غيره، ‎ مبالغة فى المشاعر وفى إظهار الحزن أو إدانة زملاء ومعارف بهنس أو الجالية السودانية أو المصريين، أغلبهم لم يعرفه ومن عرفه لم يهتم به. وحتى اهتمامهم بموته زاد بعد أن اكتشفوا أنه مبدع، وكأنه لا يكفى أن يكون إنسانا لنسانده، اللطم لن يعيد بهنس، لكن يمكن تحويل موته لحملة من أجل إغاثة المشردين، ومساندتهم بدلا من تركهم للموت. حتى لا يكون الميت أفضل من الحى.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة