مصطلح جديد:
فى هامش ما داخل صفحات قواميس اللغة العربية ستجد الكثير من المصطلحات المهملة، من بينها مصطلح «الوطنية الغبية»، ويمكننا تعريفه بأنه ذلك «الفلتر» الذى لا تمر من خلاله سوى تلك الأمور التى تخدم الوطن، وتبقى داخل شبكته كل المحاولات التى تحمل بعضا من الضرر إلى جسد الوطن، وطبقا لمفهوم «الوطنية الغبية» سالف الشرح والتفسير، تبدو فى الأفق نظرة مختلفة إلى تصريحات المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، حول الأداء المالى لجهاز المخابرات العامة، والذى لا يختلف تأثيره كثيرا عما سعى إليه سيادة المستشار فى أواخر عهد مرسى لتصدير الجهاز للناس بوصفه متخصصا فى إهدار أموال الدولة، تزامنا مع هجوم قيادات الإخوان وأبوالعلا ماضى على نفس ذات الجهاز فى حالة لا يعتبرها صدفة سوى الجاحد.
جنينة الشجاع فى زمن الإخوان:
-فى ظل وجود مرسى كانت تصريحات هشام جنينة واضحة قوية يصحبها عزف إخوانى مماثل من القيادات والشباب، لدرجة دفعت الرجل أن يقول فى ندوة عامة: «بعض الأجهزة السيادية ترفض الرقابة مثل المخابرات العامة، ووصلتنى شكاوى عديدة عن قيامها بأنشطة تجارية بعيدة كل البعد عن العمل المخابراتى ولدىّ مستندات دالة على هذا».
جنينة المتحفظ بعد رحيل الإخوان:
فى حواره لجريدة التحرير منتصف ديسمبر الحالى، قال جنينة بكلمات تفوح منها رائحة اللف والدوران، وتختفى منها مكسبات الصراحة والشجاعة التى كانت موجودة فى زمن الإخوان: هناك حملة ممنهجة ضد الجهاز المركزى للمحاسبات، هذه الحملة ليست جهد أفراد، ولكن جهد أجهزة بالدولة، الهدف الأساسى منها ليس شخص جنينة، بقدر ما هو تحجيم دور الجهاز الذى لا يوجد له نظير داخل مصر كجهاز رقابى.
رجل القانون:
المستشار رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات رجل قانون، ويعلم جيدا أن إطلاق العنان للكلام دون أن تصحبه أدلة أو مستندات، يندرج تحت بند «الهجص»، خاصة حينما نعرف أن شهورا وأياما مضت، ولم يخرج لنا المستشار جنينة بأى وثيقة أو مستند يثبت صحة كلامه.
كيف تراقب جهاز مخابرات؟
- من المؤسف والمخزى والمعيب والمحرج، أن تجد رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات يتكلم عن الأمور المخابراتية، وأعمال الجهاز الإدارية والسرية دون أن يدرس الأمر بشكل كاف، فيظهر من حديثه، وكأنه رجل تنقصه المعرفة بعد أن تسمعه وهو يقول: «تلك الجهات أنشأت صناديق بغرض الإسكان، وبناء قرى سياحية ومستشفيات، وتساءل: ما لهذا والعمل المخابراتى والدفاعى؟»، ولو كان سيادته قد كلف نفسه بدراسة ظروف وأجواء عمل أجهزة المخابرات فى العالم، لاكتشف بنفسه أن وجود تلك المشروعات الاقتصادية والفندقية والسياحية أمر طبيعى فى عالم يحتاج إلى مشروعات يستخدمها كغطاء لبعض من أعماله، المفترض فيها السرية والتى لا تظهر أوراقها أو تفاصيلها إلا بعد عشرات السنين، أو بعد 25 سنة كما فى الحالة الأمريكية التى يكتشف الجميع فجأة، أن شركة ما قد تم إنشاؤها وإغلاقها فقط من أجل التغطية على عملية مخابراتية معينة، كما تم الكشف مؤخرا عن عملية الرهائن الأمريكيين فى سفارة الولايات المتحدة بطهران.
- الأغرب والأعجب أن يظهر رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات ويطالب بضرورة إخضاع جهاز المخابرات للرقابة، مصدرا الوهم للناس بأن الجهاز لا توجد قوانين رقابية تحكمه، وهو تصور خاطئ تماما، لأن المادة 80 من قانون المخابرات المعروف باسم القانون 100 لعام 1971 والذى صدر فى عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، تحدد جميع أمور التعاون بين المركزى للمحاسبات والمخابرات، فيما يخص الرقابة على النشاط المالى وفقا للنحو التالى: «يندب رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات بالاتفاق مع رئيس المخابرات العامة، هيئة من موظفيه يكون مقرها المخابرات العامة تختص بالمراقبة المالية والمراجعة وفقا لأحكام هذا القانون، وتباشر الهيئة أعمالها بصفة سرية، وترفع تقريرها إلى رئيس المخابرات العامة مباشرة».
- المستشار هشام جنينة وقيادات الإخوان صمتوا فجأة ولم يخرجوا للرد أو التوضيح أو الاعتذار حينما خرج وكيل المخابرات السابق اللواء ممدوح قطب، وأكد للناس أن ممثل الجهاز المركزى للمحاسبات متواجد بصفة مستمرة داخل الجهاز لمتابعة الشؤون الإدارية والمصروفات والضرائب، وأن كل الأنشطة الاقتصادية من أندية ومستشفيات ومساكن تخص الجهاز خاضعة بالفعل لرقابة سوق المال، والجهاز المركزى، والصمت هنا يعنى أن الهدف الأساسى كما قلنا ونقول هو «عيار» أراد من أطلقه الشوشرة لا غير.
- الأزمة التى يعيشها جهاز المخابرات المصرى، تعرض لها منذ شهور جهاز المخابرات الهولندى «جهاز المخابرات العامة والأمن «AIVD» بسبب حالة التقشف التى فرضتها الدولة على مصالحها ومؤسساتها، وطالت كل شىء حتى الشؤون الملكية، وظهرت بعض الأصوات تطالب بضرورة تشديد الرقابة على الجهاز وتخفيض نفقاته وميزانيته، ولكن الرأى المتطرف والمتخلف قابله البعض بحملة استهزاء، وحظى بحالة رفض شعبى دفعت خبير القضايا الأمنية ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية «روب دى فايك» للتأكيد على أن أى إجراء يمس الكشف عن الأداء المالى للمخابرات بالتخفيض أو بأى وسيلة «غير مسؤول بخصوص أمننا الوطنى»، وأشار دى فايك إلى سياسة التعاون بين أجهزة المخابرات فى البلدان الأخرى. وإذا لم يكن لدى المخابرات الهولندية ما تقدمه من معلومات، فمعنى ذلك أنها لن تتلقى بالمقابل أى معلومات من نظيراتها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة