قبل 25 عاماً عرفت الصديق عزازى على عزازى الذى سافر إلى الصين قبل أيام من أجل إجراء جراحة دقيقة لزراعة الكبد.
جمعنا مكان واحد فى العمل الصحفى والسياسى، هو مركز إعلام الوطن العربى «صاعد»، الذى كان يقوده الصديقان حمدين صباحى وأمين إسكندر والراحلة أمل محمود، وكانت قضية سليمان خاطر ابن بلد عزازى واحدة من المعارك الكبيرة التى تجلى فيها، بعد أن قام «سليمان» أثناء تأديته الخدمة العسكرية بقتل وإصابة سبعة إسرائيليين، فتمت محاكمته وحصل على حكم بالسجن 15 عاما ثم مات فجأة فى زنزانته، وقيل رسمياً إنه انتحر، لكن الضمير الشعبى ظل رافضاً لذلك متوقعاً اغتياله.
كنا شباباً يشق طريقه بأمل مفتوح على غد نحلم أن يأتى لمصر بالعدل والديمقراطية والانحياز للفقراء، وتحرير فلسطين والوحدة العربية، وبالرغم من أن معطيات الواقع كانت تسير- حسب ما نظن- عكس ما كنا نحلم به، وكانت تبعث على اليأس والإحباط أكثر مما تعطى الأمل، إلا أن التمسك بالأمل والحلم كان يعنى بالنسبة لنا أن نعيش الحياة، وكنا نتساءل بتنهيدة: «هل سيأتى اليوم الذى يرى فيه أحفادنا مصر كما نحبها؟ كان السؤال يحمل فى طياته رائحة الإحباط، لكن كان «عزازى» ممن يقولون: التغيير قادم أقرب مما نتصور».
تواصلت السنون وهناك من ظل باقياً على العهد، وهناك من نفض يديه، وهناك من احتفظ بالحلم لكنه عاد إلى بيته آثراً السلامة، وفى هذه القسمة ظل «عزازى» ابن قرية «إكياد» بمحافظة الشرقية وخريج جامعة الزقازيق وابن جيل السبعينيات فى الحركة الطلابية مخلصاً ووفيا لكل تلك الإنحيازات الوطنية الصحيحة التى حلمنا بها معاً، لكنه لم يحبسها فى قلبه وعقله ملتزما السكون فى بيته، بل كان من صنف المبشرين الذين يتجولون بعيداً وقريباً لنشر رسالتهم، وفى هذا تعفرت قدماه بتراب مصر من اللف والدوران فى جولات إلى القرى والنجوع، فى الدلتا والصعيد والقناة، باحثاً عن جواهر الناس والأماكن، مبشراً بالثورة، محرضا ضد استبداد وظلم نظام مبارك والتطبيع مع إسرائيل.
نال عزازى جزاءه فى ذلك بالاعتقال بعد مشاركته فى مظاهرات ضد مشاركة إسرائيل فى المعرض الصناعى عام 1995، وكان هذا العام هو آخر مشاركات إسرائيل فى مثل هذا المعرض الدولى.
صاحبته فى بعض جولاته إلى القرى والنجوع، وكما عرفته من البداية كان يتألق بقدرته الفائقة فى التحدث بلغة أهل من يزورهم، والتوحد مع مشاغلهم ومشاعرهم، فيحصل على ثقتهم سريعا لتبدأ رحلة تعاملهم معه بوصفه واحدا منهم، وفى هذا كان يترجم دور المثقف الحقيقى، فهو لا يتحدث بفصاحة لسان لا يفهمها البسطاء، بالرغم من أنه يحمل رسالة الدكتوراة فى الأدب العربى، ولا يتكلف وراء رابطة عنق وبدلة شيك وروائح نفاذة بالرغم من أناقته، وإنما يجلس على «الحصيرة»، ويلضم فى الحوار مع الفلاح والمثقف والشاب والعامل والموظف والغنى والفقير مخلفاً أثراً طيباً وجميلاً من إنسان جميل، ولأنه واحد من الناس المتسقين مع أنفسهم، لم يزغلل «الكرسى» عينيه فتقدم بالاستقالة من منصبه محافظاً للشرقية فور فوز محمد مرسى بالرئاسة، لأنه تنبأ بأن مصر لن تكون كما حلم لها تحت حكم جماعة الإخوان.. وغداً أستكمل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة