حين قرأت خبر رحيل الدكتور عبدالملك عودة رائد الدراسات الأفريقية وعميد كليتى الاقتصاد والعلوم السياسية والإعلام فى السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضى، عدت بذاكرتى إلى موقف شخصى لى مع هذا العالم الجليل والنبيل، ربما يقود فى جانب منه إلى المظاهرات الطلابية التى تحدث هذه الأيام فى الجامعات المصرية.
كنت فى مطلع دراستى الجامعية بجامعة القاهرة عام 1980، وانخرطت مباشرة فى العمل السياسى والثقافى بالجامعة عبر نادى الفكر الناصرى، وكان فيه كوكبة طلاب يسبقوننى فى سنوات الدراسة، وهم الآن رموز كبيرة فى المجتمع، وعلامات فى مجالهم المهنى والسياسى، منهم أصدقاء، جمال فهمى وحسين عبدالغنى ومحمد حماد والدكتور محمد شومان ونجلاء بدير وأميمة كمال ومنى سالم وإيمان ميشيل وفؤاد السعيد والدكتور محمد بسيونى، والراحلان العزيزان عادل الجوجرى والدكتور أحمد ثابت، وعلاء عبدالوهاب، والمهندسان سعيد يوسف وممدوح كامل، وجمال عبدالناصر عويس، وضياء رشوان وعمرو الشوبكى والدكتور صلاح السروى، الذى أدين له بالفضل كثيرا، حيث تعرفت عليه فى كلية دار العلوم، وضمنى إلى نادى الفكر الناصرى، وبخلاف هؤلاء كانت هناك أسماء أخرى تخرجت من الجامعة، لكنها تركت بصماتها الكبيرة وصداها العظيم، أذكر منهم حمدين صباحى وعبدالله السناوى وكمال أبو عيطة والمهندس مجدى بدر.
كانت كافتيريا كلية الاقتصاد والعلوم السياسية مكانا للقاء، وكانت حدائق الجامعة المتسعة مكانا نجلس فيه لمناقشة كتاب أو قضية، وكان هناك برنامج تثقيفى للجدد أمثالى، غير أن القراءة فى التاريخ والأدب والسياسة والفكر كانت محل تسابق معظم المشاركين، وظنى أن هذه المرحلة كانت تأسيسا عظيما لوعى كبير للجميع ساعد فيما بعد.
كانت الأجواء السياسية وقتئذ معادية لثورة يوليو 1952 وزعيمها جمال عبدالناصر، مما انعكس على الواقع الطلابى فى الجامعة، خاصة بعد تخرج جيل حمدين صباحى بنفوذه الكبير فى اتحاد طلاب الجمهورية توج بانتخاب حمدين رئيسا لاتحاد طلاب جامعة القاهرة ونائبا لرئيس اتحاد طلاب الجمهورية، وعبر ذلك كان حواره الشهير مع الرئيس السادات بعد مظاهرات الخبز يومى 18 و19 يناير عام 1977.
بعد تخرج جيل حمدين استمرت سيطرة الناصريين على اتحاد طلاب كلية الإعلام برئاسة الدكتور محمد بسيونى، وكانت الكلية عبارة عن دور واحد بمبنى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وفى الكليتين، كانت تعقد ندوات سياسية، استمعت خلالها لأساتذة ومفكرين كبار أبرزهم الراحلان العظيمان الدكتور حامد ربيع والدكتور إبراهيم صقر.
كان ذلك يحدث فى مناخ أمنى ورسمى يعادى اليساريين بالجامعة، بعد إلغاء لائحة 1976، فى حين كانت جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد يمارسون نشاطهم بحرية تامة، وتركز على مواجهة التيارات اليسارية، وانتشرت معارض كتبهم، ومعها دخلت الجنازير والآلات الحادة لمواجهة معارضيهم، وأذكر أننى ذهبت والزميل عمر عبدالحميد من كلية التجارة إلى معرض لهم كان عن تدخل الاتحاد السوفيتى فى أفغانستان، واحتدم النقاش فى حضور طلاب آخرين حول ضرورة ألا ينسينا هذا التدخل قضيتنا الأصلية وهى فلسطين، وفجأة أحاط بنا نحو عشرة طلاب يحملون الجنازير، وأمامهم فحل يرتدى بدلة كاملة ولحيته كبيرة يفوح منها رائحة المسك وحكها قائلا: «يا تمشوا يا تتصفوا وأنا عندى أوامر بكده»، فآثرنا السلامة وانصرفنا، ووسط هذه الأجواء كان موقف الدكتور عبدالملك عودة الذى أنقذنى من الاعتقال.. وأستكمل غدا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة