المشهد الأول:
لم يكن يدرى وهو غرقان فى بحر صوت أم كلثوم، ويجتهد ليتفادى المطب الجبلى الكائن بلا لافتة تحذير فى منتصف الطريق إلى منزله، أن «لمبة» البنزين ستفعلها.. ومضة حمراء تلو الأخرى مصحوبة بصوت صفارة متقطع، يثير الأعصاب، ويدفع صاحبها للبحث عن أقرب محطة بنزين لملء خزان وقود سيارته، وإخراس ومضة البنزين، وصوت صفارتها، مطب وراء الآخر، وحفرة يسعى للابتعاد عنها تأخذه إلى هبوط أرضى، ثم فجأة محطة بنزين تبدو فى الأفق، وعليها لافتة خضراء تقول أهلا بك فى بنزينة وطنية..
وقف فى طابور طبيعى تسبقه عدة سيارات، قضى لحظات انتظاره فى متابعة وجوه المجندين المتعبة، أصبح بينه وبين خرطوم الوقود سيارتان فقط.. وفجأة أطل عليه ضابط الجيش المسؤول عن المحطة وأمر المجندين بفتح الطريق أمام سيارة أخرى لتدخل مباشرة إلى حيث خرطوم الوقود بالمخالفة لقواعد الطابور والانتظار..
هو مواطن صالح، يرفض الظلم والمحسوبية والاستثناءات التى لا يدعمها أى منطق، أبدى اعتراضه على مخالفة الطابور والدور المحدد، لم يسمع ردا من الضابط المسؤول، حاول أحد المجندين استرضاءه قائلا: «مفرقتش حاجة يا أستاذ دى خمس دقائق»..
بدأ اعتراضه يأخذ منحنى الصراخ والعصبية ووجه انتقادات مباشرة للضابط بالمحسوبية ومخالفة القانون، وعدم احترام المواطنين، انقلب حال الوضع إلى مايشبه بدايات «الخناقة».. كلمة منه وكلمة من الضابط، اشتعلت المعركة، حاول أحد المجندين سحبه من يده، دفعه فى صدره، سقط المجند على الأرض، صرخ الضابط: هاتوووه.. وفجأة وجد نفسه فى قفص المحكمة العسكرية، فجأة وجد نفسه يقف أمام محكمة تفصل بينه وبين أحد أبنائها..
المشهد الثانى:
وافقت لجنة الخمسين لتعديل الدستور نهائياً على المادة الخاصة بالقضاء العسكرى، والتى تتضمن المحاكمات العسكرية للمدنيين، بإجمالى 41 صوتا مقابل امتناع عضو، واعتراض 6 أعضاء. وتنص المادة 204: (القضاء العسكرى جهة قضائية مستقلة، يختص دون غيره بالفصل فى كافة الجرائم المتعلقة بالقوات المسلحة، وضباطها وأفرادها ومن فى حكمهم، والجرائم المرتكبة من أفراد المخابرات العامة أثناء وبسبب الخدمة. ولا يجوز محاكمة مدنى أمام القضاء العسكرى، إلا فى الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشراً على
المنشآت العسكرية، أو معسكرات القوات المسلحة أو ما فى حكمها، أو المناطق العسكرية أو الحدودية المقررة كذلك، أو معداتها أو مركباتها أو أسلحتها أو ذخائرها أو وثائقها أو أسرارها العسكرية، أو أموالها العامة أو المصانع الحربية، أو الجرائم المتعلقة بالتجنيد، أو الجرائم التى تمثل اعتداءً مباشراً على ضباطها أو أفرادها بسبب تأدية أعمال وظائفهم).
المشهد الثالث:
اللواء مدحت رضوان رئيس هيئة القضاء العسكرى فى حواره مع لميس الحديدى بعد إقرار المادة السابقة، قال وأكد على قوله مراراً وتكراراً خلال الحلقة: (جميع المؤسسات التابعة للقوات المسلحة يسرى عليها القانون العسكرى، ضارباً مثالا بمحطة بنزين «وطنية»، مشيراً إلى أنها قد تكون سبباً لمحاكمة أحد المدنيين عسكرياً، فى حالة تعديه على أحد الضباط أو المجندين العاملين بها، أو تعديه عليها كمنشأة، لأن المجند أو الضابط الذى يخدم فى بنزينة وطنية أو أى مشروع تابع للقوات المسلحة، لا يقل أبداً عن المجند أو الضابط الذى يحمل سلاحا أو يحارب فوق الدبابة).
المشهد الرابع:
مواطن 1: شوفت مادة المحاكمات العسكرية فى الدستور.. هنعمل إيه دلوقت أنا مش فاهم ناس تقول المادة محددة، وناس تقول أفضل من المادة فى الدستور القديم، وناس تقول دى كارثة على المدنيين.. وانت عارف المحاكمات العسكرية؟!!
مواطن 2: سيبك من المادة واللى فيها واللى بيقولوا عليها إنها مادة محددة وأحسن من المواد اللى فاتت.. رئيس هيئة القضاء العسكرى بيقول إن بنزينة وطنية، لو حصل فيها خناقة مابين مدنى وضابط أو مجند، الفصل فيها هيكون أمام المحكمة العسكرية؟!!
مواطن 1: يالهوى.. يعنى أنا لو اتعصبت على مجند فى البنزينة، أو مجند غلط فى حقى، هتبقى خناقة تودينى أمام محكمة عسكرية.. طيب هنعمل إيه؟!
مواطن 2: مافيش حل لازم نقاطع الدستور، أو نقول لأ فى الاستفتاء..
مواطن 1: لا ياعم نتيجة الاستفتاء مش مضمونة.. أنا هجيب من الآخر ولا تموين فى بنزينة وطنية.. كده أضمن وأحسن!!
.. تتر النهاية مصحوبا بوجه غير واضح المعالم، يضحك ضحكة خبيثة.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة