أحمد إبراهيم الشريف يكتب:"حياتنا الصغيرة"عندما تكون الهوية على خط النار

الثلاثاء، 31 ديسمبر 2013 04:00 م
أحمد إبراهيم الشريف يكتب:"حياتنا الصغيرة"عندما تكون الهوية على خط النار غلاف المجموعة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء



"حياتنا الصغيرة" مجموعة قصصية للكاتبة الفلسطينية فدى جريس، صادرة عن دار فضاءات.

فدى جريس كاتبة فلسطينية، تسكن فى رام الله، كل صباح تتحسس موطن قدميها وتخشى أن يكون الاحتلال الإسرائيلى قد زرع قنبلة على جانب الطريق أو أعلن عن قتله طفلا أو غير أثرا يحمل هوية فلسطين. تنظر إلى الشوارع والبيوت والمحلات التى تعرفها وتنتظر التهويد والتشويه الذى من الممكن أن يحدث فى أى لحظة للتاريخ والجغرافيا والطوبغرافيا ولكل الذى عاشت معه وسكن فيها، فالمحتل متربص بكل القيم والصفات العربية ويريد أن يغير الحياة الفلسطينية، يريد أن يسرق اللمسات الصغيرة والدفء، لذا أرادت فدى أن تتنصر عليها فكتبت "حياتنا الصغيرة".

"حياتنا الصغيرة" هى المجموعة القصصية الأولى لفدى جريس، وهى أكثر من كونها مجموعة قصصية، تبحث عن مواجع نفسية أو مشكلات اجتماعية تحاول أن تلقى الضوء عليها أو تقدم لها حلا، هى فقط تتمنى بقاءها، ترجو من الحياة ألا تختفى هذه التفاصيل الصغيرة بآلامها وأفراحها، والتى فى مجملها تفاصيل موجعة لكنه الوجع اللذيذ والألم الحلو، الذى يشبه تذكرنا لطفولتنا الهاربة وللحظات العقاب والخجل ثم نضحك عليها ومنها، بل نتحسر ونتمنى عودتها، هذا الحنين الآنى الحاصل تجاه الأشخاص والأماكن كان هو النقطة والمرتكز الذى اعتمدته فدى جريس فى تشكيل مجموعة من الحكايات التى تشكل فى مجملها حكاية واحدة ممتلئة بالتفاصيل لها امتداد على خطى الزمان والمكان.

فى مقدمة المجموعة تمنت فدى جريس أن تعكس هذه المجموعة القصصية جوانب الحياة فى الوطن العربي.. لكن فى الحقيقة الذى تلفت الكاتبة إليه الانتباه هو التأكيد على هوية هذه الحكايات والقصص، تريد أن تقول: إنها كتابة عربية وعن عرب، لأنها أرادت أن تعكس هذه الحكايات أحوال العالم العربى ولم تقل العالم كله أو حتى الإنسانية جمعاء.

وأمنية فدى جريس الكبرى هى ألا تنقطع الصلة بين هذه القرى الفلسطينية والعالم العربى، فهى تعرف أن هذه القصص تشبه – تقريبا- ما يحدث فى كل قرية عربية، مع اختلاف بسيط يليق بالخصوصية، لكن الروح نفسها، وطريقة التفكير نفسها، والروابط الاجتماعية ذاتها، والأخطاء عينها، لذا ولأن هذه الحكايات واحدة فى كل بلدان العالم العربى يجب أن تدافعوا عنها، واحرصوا ألا تضيع أو تتغير هويتها.

وعلى هذا يمكن أن نتحدث بسهولة عن "القصد" والقصد فى معناه البسيط "التعمد"، فالكاتبة تعمدت اختيار أيقونات معينة لإيصال تجربتها وهدفها، هذه الايقونات تمثلت فى طبيعة الحكايات فكانت بسيطة تحدث فى كل بيت وتقريبا كل يوم، وعلى هذا يمكن الجزم بأن فدى جريس لديها وعى بالذى تكتبه كما أنها تعرف مقصده وتوجهه.
وهناك نوع ثان من القصد يتعلق بلغة المجموعة القصصية " حياتنا الصغيرة".. فلأن اللغة أصل مهم فى موضوع الهوية، ولأن قرى فلسطين على حافة النار فى هذه المسألة، لذا كان التشكيل اللغوى عاملا أساسيا فى هذه المجموعة، وذلك لتأكيد هذا الخيط القوى من الانتماء للعربية، وقد تحركت اللغة على مستويين الأول اللغة الفصحى واستخدمتها الكاتبة فى السرد، والمستوى الثانى لهجة فلسطينية واستخدمتها الكاتبة فى الحوار، فالفصحى تعبر عن الرابط العام الذى يمسك بكل خيوط الكتابة، واللهجة الفلسطينية تعبر عن الخصوصية والواقع المعيش.

وهناك جانب ثالث متعلق بالقصدية فى البحث عن الهوية، هذا الجانب يتمثل فى أننا لا نجد أى أثر للاحتلال الإسرائيلى، وتقريبا لم يرد ذكره فى أى قصة فى المجموعة، ويرجع ذلك إلى عدم الاعتراف به أصلا وإن فرض نفسه على الواقع فهو غير قادر أن يفرض نفسه على حياتنا ولا كتابتنا، وأننا قادرون على أن نهزمه فى أنفسنا وبين قصصنا، كما أن الكاتبة لم ترد استدرار عطف القارئ العربى بالصراخ من أجل القضية الفلسطينية، هى قالت ما معناه نحن جزء من الأمة العربية وليس شرطا أن تكون لدينا كارثة كى تشعروا بنا، وقصدت الكاتبة من ناحية أخرى أن يكون هناك أدب مختلف وحتى لا يرتبط الأدب الفلسطينى لدينا فقط بأدب الوطنيات والخوف والتشرد، رغم أهميته، ولكن لنعرف أن الشعب الفلسطينى لم يخلق من حديد بل لديه أيضا مشاكله البسيطة التى ربما تكون مشاجرة صغيرة بين جارتين، أو بنتا لا تستطيع أن تتزوج بمن تحب، فإغفال المحتل من المجموعة القصصية يريد أن يقول بأن هناك وطنا مكتملا له حياته، وهذا الوطن يعرف أن المحتل يمثل مرحلة كدرة من عمر هذا الوطن ستنتهى يوما ما ولذا هو لا يعترف بوجوده، ولن يعطه مساحة حتى من الورق، ولن يذكره، بل سيتحدث عن مشكلات ربما تبدو صغيرة لكنها هى حياتنا.

قصدية أخرى هى أنه مع كل هذه الإشارات إلى العام والانتماء والهوية يأتى المستوى الثانى من الاهتمام والتنبه ويتعلق بالقضايا الاجتماعية الخاصة بقرى فلسطين، فالبحث عن الوجود العام لاينفى البحث فى المشكلات الحياتية التى نقابلها، وعلى هذا الأساس ناقشت فدى جريس وعرضت للعديد من المواضيع الاجتماعية والنفسية فى قرى فلسطين.

إذن فدى جريس تكتب عن وطن مجروح لكنها لا تتبنى طريقة النساء فى البكاء والعديد وتذكر الفجائع، تؤمن بأن الحياة هى التفاصيل الصغيرة التى نعيشها، وبأن الوطن مهما كانت مشاكله لديه طريقة خاصة للحب والحياة.


موضوعات متعلقة


الفلسطينية فدى جريس:قصص "الخواجا" تقاوم الغرباء المارين احتلالا وقمعا









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة