المكان: الحى 11 بمدينة 6 أكتوبر
الحدث: كارثة سودة فوق دماغنا كلنا
الحدوتة: مثلها مثل كل امرأة مصرية عاملة تكتشف بعد نهاية إجازة الوضع والرضاعة أن فى أحضانها طفلا صغيرا يحتاج إلى نوع من الرعاية لا يتناسب أبدا مع طبيعة يوم العمل فى مصر الذى لا يعرف أحد متى يبدأ ومتى يتنهى، بسبب ظروف المواصلات أو ضغوط أصحاب العمل إن كان محل العمل مؤسسة خاصة.
وما بين لعبة الذهاب بالطفل إلى ماما صباحا، والعودة به من عند ماما مساء، ولعبة الذهاب به إلى العمل يوما وصعوبة تكرار الأمر فى اليوم الثانى، لم يعد أمامها سوى الحل السحرى الذى يقدمه القدر للنساء العاملات.. حضانة خاصة قريبة من المنزل أو العمل تضع فيها الطفل الرضيع صباحا وتعود لتحمله وتحمل نفسها إلى المنزل مساء حتى يقضى الله أمرا كان مفعولا.
كلهن يفعلن ذلك، وبعضهن يكتشفن العديد من الكوارث داخل هذه الحضانات، من عدم اهتمام بالنظافة أو الصحة أو ارتباك فى أساليب التربية، ولذلك كانت حريصة على انتقاء الحضانة الأفضل حتى وإن استلزم الأمر منها الكثير من البحث والتفتيش، وفجأة وبدون مقدمات أهداها القدر لافتة طفولية على بعد خطوات من منزلها الكائن فى الحى 11 بمدينة 6 أكتوبر يعلن عن افتتاح حضانة جديدة تحمل اسم حضانة أولادنا التجريبية.. بلهفة من شاهد السراب فى صحراء قاحلة حملت طفلها وذهبت تتفقد صيدها الثمين.. حضانة نظيفة، ديكورها جميل، مساحتها واسعة، ثم اكتمل أمر النعمة بظهور سيدتين تحمل ملامحهما ابتسامة مريحة بالنسبة لأم تبحث عن راحة طفلها.. ولكن حانت لحظة المفاجأة السوداء.
سألت واستفسرت عن طبيعة الحضانة والعمل بها وأسعارها وقبل أن ترتسم على وجهها ابتسامة راحة العثور على حل مشكلة طفلها، ألقت السيدة التى تدير الحضانة فى وجهها بقنبلة كبيرة حينما قالت: (آسفين والله.. نحن لا نقبل الأطفال غير المسلمين)، انفجرت القنبلة العنصرية فى وجهها، دفعتها العبارة الاضطهادية غير المفهومة إلى الاستدارة والمغادرة دون أن ترد بكلمة واحدة بخلاف حوار داخلى ملخصه سؤال واحد: (هو لسه فى مصر ناس بتفكر كده؟!).
لو سألتنى زميلتى فى العمل جينا وليم، والدة الجميل مانويل وزوجة زميلنا بيشوى، هذا السؤال من قبل لأخبرتها ببساطة: (أيوه ياجينا فى ناس بتفكر «أوسخ» من كده، فى ناس أغواها التطرف حتى سقطوا وغرقوا فى مستنقع العنصرية، نعم هناك بشر لا تعنيهم فكرة الوحدة، ولا يفهمون جوهر معان مثل الإنسانية والأخوة فى الوطن، هناك بشر يعتقدون أن نصرة دينهم لن تكتمل إلا بالقضاء على الأديان الأخرى، وأن طهارة عقيدتهم لن تكتمل إلا بالبعد عن أصحاب الديانات الأخرى، لهم مدارسهم وللآخر مدارسه، ولاحقا لهم مدنهم وللآخر مدنه، ولاحقا لهم مواصلاتهم ومؤسساتهم وللآخر مواصلاته ومؤسساته.. هكذا تبدأ شرارة الفتنة، هكذا تبدأ المجتمعات فى الانهيار.. فى تلك اللحظة التى يتصدر فيها المتطرفون والمتشددون مشهدنا التعليمى ويفصلون بعنصرية بين الأطفال والتلاميذ على أساس دينى).
ما فعله أصحاب حضانة أولادنا فى 6 أكتوبر يفعله الكثير من أصحاب المدارس الخاصة والحضانات فى صورة من أبشع صور العنصرية التى تهدد وحدة مصر وجوهر وجودها، ما فعله أصحاب حضانة أولادنا حقيقة وليس خيالا.. ياسيادة وزير التضامن وياسيادة وزير التربية والتعليم.. حاسبوهم وامنعوهم من بث نار الفتنة والفرقة بين عموم المصريين.. حاسبوهم قبل أن يحاسبكم الله على تقسيم مصر وزيادة حجم الوجع فى صدور إخوتنا المسيحيين.
وأنت أيها الجالس على كرسيك، اخفض من صوت «مصمصة» شفاهك، وتراجع عن امتعاضك وتعاملك مع ما حدث فى حضانة أولادنا وكأنه مجرد حادث فردى لا يستحق كل هذه الضجة، ولا تعد للعزف على نفس الأوتار القديمة الخاصة بأن كل شىء تمام، لأن الكلام هنا ليس الوحدة الوطنية ولا مائدة رمضان التى يجتمع عليها الصليب مع الهلال من أجل طبق خشاف، ولا عن تلك الصورة الباهتة التى يحتضن فيها شيخ الأزهر البابا قائلين للمصوراتى صور بسرعة يابنى عشان نقول للعالم إننا نسيج واحد، لا أتكلم عن كل هذا، أنا أتكلم عن الواقع.. الواقع الذى يقول بأن هذا النسيح أصبح سهل التمزق مع أول ضربة مقص بسبب أفعال المتطرفين والمتشددين الذين لم يفهموا بعد جوهر فكرة الوحدة الوطنية ولا جوهر فكرة سماحة الأديان.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة