أعترف بأننى لم أشعر بالحزن على الفاجومى أو التعامل معه على أنه رحل، فقد اعتدت دائمًا أن يختفى ويظهر ونلتقى ولا يتغير أبدًا. وأعرف أنه سيعود ويهل علينا بأشعاره التى لا تنتهى، وتتناسب مع كل لحظة.. «نجم» كان يختفى أو نختفى عنه ثم يظهر بنفس حضوره، لايمر يوم إلا وتلتقى مع قصيدة أو بيت شعر أو مقولة.
التقيته قبل شهرين أثناء تكريمه بمعهد إعداد القادة، احتضنته وقبلها فى إفطار رمضان كان حضوره طاغيًا رغم الوهن.. لمعان عيونه كان كافيًا للتأكيد على أنه حاضر بقوة. ربما فى المرة الأخيرة توقعت أن يغيب نجم بجسده، لم أتوقف عند هذا الأمر كثيرًا، فسوف يعود ويتكلم ويعمل قفشات أو يطول لسانه ليوجهه إلى فلان أو علان سخرية، وهدما للمدعين الكذابين.
نجم والشيخ إمام كانا عصرا كاملا، ومعهما كتائب من الشعراء والكتاب والمثقفين، ثم إن إشعاره تملأ الآفاق، ودواوينه مقروءة ومسموعة متاحة.
قبل سنوات قرر عدد من الشباب عشاق إمام ونجم عمل مشروع تحويل شرائط الشيخ إمام ونجم إلى مواد يمكن وضعها على المواقع والإنترنت، ومازلنا نتذكر كيف كانت شرائط الشيخ إمام، وأغلبها تسجيلات سيئة ومغشلقة، لكنها كانت تحمل قدرًا هائلًا من الصدق. كنا نعتبر الأغانى ثروة، نحتفظ بعشرات الشرائط ونتباهى بها، وننسخها عشرات المرات بأجهزة عتيقة، لنجدد مكتبة الأغانى المبهرة التى تحمل قدرًا هائلًا من السخرية والألم والأمل فى التغيير، تجمع بين التحريض وخفة الدم والقفشات.. نفس الروح التى تلبست نجم وجعلته يستمر طوال عقود، وتجددت هذه الروح فى التحرير مع مظاهرات يناير، عندما كانت أغانى نجم وإمام وزين العابدين فؤاد مع الأغانى الوطنية تصنع مع العلم عالمًا من الثورة المبهجة.. «يا مصر قومى وشدى الحيل»، «مصر يا أمه يا بهية»، «يا إسكندرية».
كانت هذه الأغانى أيقونة التغيير فى التحرير والميادين، لم يبحث عنها أحد، لكنها اندست مع الناس تدفئهم وتجمعهم، عادت كأنها لم تغب، تعرفت عليها أجيال لم تكن تعرف عن نجم الكثير، عرفته ورأته وتفاعلت معه، وهو مشهد نظن أنه جدد روح نجم وقلبه، بعد أن رأى أغانيه توحد المصريين، لهذا لم يغب نجم وإمام وعصرهما، ولهذا سوف يظل ويطلع للناس من أى ركن، ومثلما كان يفعل دائما، يضحك بقصائده التى تصلح لكل زمان.. قصيدة كتبها فى الستينيات والسبعينيات ماتزال تشعل الحماس كأنها اليوم.
نجم انتقد عبدالناصر بعنف، ورثاه بكل ود وحب «عمل حاجات معجزة وحجات كتير خابت.. وإن كان جرح قلبنا كل الجروح طابت»، وحتى الرئيس السادات، فقد احتفظ نجم بمشاعر ساخرة بلا حقد.. كان شعره بمثابة انتقام نجومى من كل من اللى يزعلونا.
لهذا لا يمكن أن يغيب نجم، لأن حضوره أقوى من أى غياب، وسوف يواصل ظهوره شاعرًا ساخرًا مبهجًا ناقدًا، يحمل أملًا لاينطفئ، قائلًا عن مصر «فات عليكى ليل ومية/ واحتمالك هو هو / وابتسامتك هى هى/ تضحكى للصبح يصبح بعد ليلة ومغربية/ تطلع الشمس تلاقيكى/ معجبانية وصبية يا بهية».. وهى كلمات تنطبق على نجم الذى لا يغيب.