نبدأ الحكاية بالصلاة على النبى علشان نهدى شوية، لأن حال المصريين منذ سنوات حال قطة على سطح من صفيح ساخن، ولهذا فأرجوك بداية أن تعيرنى، أى تسلفنى عقلك وقلبك بلا قولبة مسبقة أى وحضرتك منظف عقلك من صورة نمطية لأى حاجة، وهو ما أدرك صعوبته، خاصة فى مثل هذه الأوقات من تاريخنا لكن على كل حال حاول، وإليك الحكاية من البداية.
منذ سنوات قليلة كنت فى مشوار سلكت فيه الطريق الدائرى حول القاهرة لأصل إلى المكان الذى أبتغيه، ولكن للأسف سلكت مدخلاً خطأ فوجدت نفسى فى التيه، أى فى متاهة كبرى فى منطقة الهرم والجيزة، ولأننى من هؤلاء الذين لا يميلون للإحباط أو التوتر إذا تاهوا فى الطريق، وأؤمن بأن كل خطوة نخطوها مكتوبة لنا، فقررت أن أستغل الوقت الذى أتخذه لأسلك خروجاً آمناً من المكان فى تخيل أننى محافظ للجيزة أو مسؤول تنفيذى كبير، والأهم من كونى مسؤولة أنى أيضاً أملك أن أتخذ قرارا وأنفذه بقوة القانون، وأنى قررت بضمير واع أن أذهب فى جولة تفقدية فى مجاهل المنطقة، أى والله العظيم ده حصل، وبدأت بالنظر فى الشوارع والحارات والإشغالات وقلت فى عقل بالى وأنا أشير لهذا وذاك من تجاوزات صارخة، هذا الشارع يريد نظافة حالاً سأرسل هيئة النظافة لنزح الزبالة، وسأجازى رئيس الحى ومن تحت يده، طيب بالنسبة للمحلات اللى طالعة على الرصيف ستة متر قدام كلها ستعود وتدفع غرامة، وسأعين أفراد أمن من العاملين فى المحافظة مابيشتغلوش لكل شارع ومعاه قوة أمن، ليبقوا فى الشوارع للتأكد من التنفيذ، وبنظرة سريعة رأيت عمارات شاهقة فى حوارى سد ضيقة، فقررت على اعتبار أنى مسؤولة جامدة جداً، أن أزيل عدة أدوار من كل مبنى ليلائم طبيعة الشارع، طبعاً لم أجد فيما وجدت أن فكرة الرصيف مش موجودة ولو موجودة فكل واحد عامل حتة رصيف بمزاجه يعلو ويهبط حسب إرادته، فقررت أنى سأطلب من مهندسى الحى وعماله أن يلتزموا بكتالوج للأرصفة، ولما بدأت فى الدخول فى الغويط وجدت مواقف الميكروباص والتوك توك تحتل الشوارع والحوارى كاحتلال صهيونى لأرض فلسطين، فتخيلت أنى سأصدر قرارا بأن أحدد مواقف لهم، وفى كل موقف مقهى نظيف للركاب والسائقين ونقطة شرطة، ولو لم يلتزموا بها سأسحب منهم الرخص والسيارات.
وللحق حتى هذه اللحظة من الخيال شعرت بقوة وبأننى مسؤول قوى رائع، وأن ما أسعى إليه وأنفذه هو الحد الأدنى المطلوب من المسؤول التنفيذى والحد الأدنى لآدمية المواطن المصرى الذى يعيش فى هذه المنطقة، واستمرت خيالاتى وكنت كلما أوغل فى متاهات الطريق أرى الصعوبة تزداد وأدرك أننى على أرض الواقع المتخيل، محتاجة لجيش جرار من كل مسؤولى الدولة لتنفيذ أقل قدر من العمل والحق للمواطن، قلت فى عقل بالى وماله مش هو ده شغل المسؤول أمال بياخد فلوس ومنصب ومسؤولية ليه؟! ولكن كلما كنت أتوغل فى الطريق ومتاهاته، وإلى أن وصلت لوش الدنيا أدركت أن الأمر مستحيل، ولازم أستقيل وأسلم مفتاح المحافظة للدولة تتصرف، وإيكش تولع والأسهل أن أترك خيال المسؤول وأعيش فى واقع المعارض! ورحت أدعو بالويل والثبور على كل مسؤول تسبب فى أن نصل لهذا الحد الذى يحتاج لقدرة الجبال جمعاء لكى نبدأ من أول السطر.
وللحق فقد كشفت لى تلك الرحلة المتخيلة أنه من السهل جداً أن تجلس وتنظر وتعارض وتسب، وأنه من الصعب جداً فى حالتنا أن تكون مسؤولاً فى هذا البلد وبهذه الحالة العامة.
تذكرت هذه اللحظة وأنا أشاهد أقطاب محترمة للمعارضة فى موقع المسؤولية الآن مثل الدكتور حسام عيسى وزعيم مظاهرات مصر كمال أبوعيطة، قف ولا تسبنى وتتصور أنى مواطنة أؤازر الحكومة ضد معارضتها على الإطلاق، فلست أنا من بين هؤلاء الذين يقولون إن اللى مالوش أم وأب الحكومة هى أمه وأبوه، كما قالت الست راقية إبراهيم مقولتها الشهيرة فى فيلم زينب، أبسلوتللى، يعنى خالص أبداً بل على العكس أنا أرى أن الحكومات خُلقت لتُعارض حتى تفىء أو تفيق لنفسها وتكون دائماً على ثقة أن هناك عينا راصدة لكل خطوة تخطوها، ولكن ما هو شكل تلك المعارضة؟ هل هى من نوع اللا الدائمة اللائمة أم أنها معارضة تشبه دور المدرب الرياضى الذى يصرخ فى لاعبيه ويشتمهم أحياناً ليحفزهم أكثر ويدربهم أفضل؟، تلك هى المعضلة الرئيسية والمشكلة العويصة التى تواجهها مصر، فالحكومة والحكام يكادون أن يكتبوا على قفاهم جملة «ماتبصليش بعين رضية بص للغلب والهم اللى فيه» وكأنهم يمنون علينا بقبولهم مناصبهم، أما المعارضة فليست أفضل حالاً، لأنها تكتب على قفاها جملة قاسم السماوى الشهيرة «جتنا نيله فى حظنا الهباب» وهى تنظر للحكومة غير مدركة أنها فى وضع أفضل كثيراً، فمن السهل أن تكون حسام عيسى سابقاً عن أن تكون حسام عيسى حالياً، ملخص القول: إن لا الحكومة فى مصر عارفة تحكم ولا المعارضة عارفة تعارض، ولهذا كفرت الجماهير بهذا وذاك.. تسألنى عن الحل أقولك الحل مش عندى دور يمكن أنت تلاقيه وربنا يكرمك.