نحن فى حاجة إلى سياسيين وليس إلى نجوم، بشر وليس ملائكة، بشر يصيبون ويخطئون ويجربون ويشاركون، قبل أن يطالبوا بالمقاطعة، والدستور ليس غنيمة وليس مجرد نصوص، لكنه فعل وإرادة، وهناك دول بلا دساتير مكتوبة، ولديها ديمقراطية مفعلة، بينما الدول ذات الدساتير المنمقة، أكثر تغييبا للمواطنين.
لدينا نجوم اعتادوا مواصلة الجدل البيزنطى حول التسميات أو المقدمات يضيعون الوقت والجهد، وطالما بقيت مرحلة انتقالية واستقطاب، يصعب التخلص من المزايدات التى تفتح أبواب الخلافات والصراعات.
نقول هذا بمناسبة حالة الهياج السياسى التى اعتدنا على تكرارها بنفس المفردات، وتستمر الإجابات الخاطئة عن أسئلة غير مطروحة، قبل وبعد ووسط الدستور، سواء كان السابق أو الحالى.
مطالب المصريين وأهدافهم واضحة وبسيطة، تتحول إلى «متاهة» بين أيدى «النجوم»، المصريون يريدون المساواة والحرية ونظاما عادلا يضمن حق العمل والعلاج والتعليم للجميع، وتوزيعا عادلا للدخل والثروة العامة، ونظام ضرائب يجعل الكل سواء فى الواجبات والحقوق، وتداول للسلطة يسمح باختيار الأفضل. ولا يختلف أحد حول تكافؤ الفرص فى التعليم والعمل والترقى، وألا فرق بين غنى أو فقير، وأن تتاح حرية الاعتقاد والتعبير.
والدساتير ليست بالمواد التى تحتويها، وإنما بإرادة التنفيذ، وقد كان دستور 71 يتضمن كل مواد الحريات، ولم تكن الحريات متاحة، يتحدث عن تكافؤ الفرص ولم تكن هناك تكافؤ للفرص، وعن مساواة، وسقطت المساواة لصالح من يملك المال أو السلطة، كان الدستور يتحدث عن العلاج بينما المرضى يموتون، عشرات يستحوذون على الثروة، وملايين محرومون منها.
القضية ليست فى النصوص، ولكن فى ضمانات تنفيذ هذه النصوص، لسنا فى حاجة إلى دستور ضخم، وإنما دستور يتحدث قليلا ونظام يعمل كثيرا، مع توفير حسن النية والثقة فى النفس وفى الآخرين.
الشعب يتفاعل مع من يتفاعلون معه ويتجاهل مع من يتعالون عليه، وبعض الذين يتحدثون عن غياب الوعى أول من يعجز عن الوصول للناس كسلاً أو تعالياً، ولا يبذلون جهدا لتقديم أنفسهم ويفضلون الدعوة للمقاطعة، يركزون عملهم فى القاهرة ويتجاهلون أقاليمهم، ويبالغون فى الحديث عن السياسة من دون أن يمارسوها، وإن فعلوا، لايتجاوزون رد الفعل أو تنظيم حملات دعائية سلبية.
هناك شباب فى المحافظات والأحياء والقرى يسعون للعمل بعيداً عن كاميرات الإعلام، ويحاولون تشكيل تنظيماتهم لمواجهة المشكلات. ليسوا نجوماً ولديهم رغبة هائلة فى العمل والتغيير، وهم الطاقة السياسية البديلة، ورصيد المستقبل، يعرفون أن التغيير لن يتم بالدعاية، لكن بالعمل على الأرض ووسط الناس، لكنهم يضيعون وسط جدل عقيم، وحديث نظرى عن الثورات والتغيير، يتعالى عن دور المواطن الفاعل الذى يمثل الطاقة البديلة للتغيير.
لقد انشغلنا شهورا بمعارك كثيرة لم يكن المستقبل من بينها، معارك حول الماضى والتاريخ، صنعها الأعلى صوتًا والأقل إنجازاً. وما يزال نفس الأشخاص يمارسون نفس الدور فى نشر الاكتئاب، والقنوط، يعرفون ما لا يريدون، ولا يقولون أبدا ما يريدون، الأمر ليس فى نصوص الدستور، وإنما فى لصوص الإرادة.