إبراهيم داود

نجم

السبت، 07 ديسمبر 2013 11:56 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
يعز علىّ أن أستهل هذه الإطلالة بالمراثى، ولكن خلو العالم من أحمد فؤاد نجم موضوع يخص البشرية كلها، التى فقدت حارساً أميناً على طموحاتها، فقدت رجلاً صادقاً وحنوناً وموهوباً، الموهبة الجسورة التى ظللت مسيرة الرفض خمسين عاماً، وغمرت الأصدقاء بالمحبة والأنس، والصفاء، حياته تشبه شعره، بسيطة ورائقة ومباغتة، كان غنياً بدون أرصدة فى البنوك، وقوياً بدون عضلات أو نفوذ، كنا نحتكم إليه إذا احتجنا إلى حكم أو حاكم، لأن فطرته النقية كانت بوصلتنا طوال الوقت، وغيرت مصائر كثيرين منا، نحن الذين عرفناه فى أول العمر، وفتح لنا أيامه على مصراعيها لنغرف من بهجتها وشجنها وغنائها وموسيقاها ونمضى، وجوده فى حد ذاته كان احتفالاً بالحياة، خبرته بالناس جعلته يصل إلى الشعر من أقصر طريق، كان يصيب الهدف ببراعة المتصوفة، وساعدته فراسته على تجاوز المطبات التى وضعها القهر فى الطريق «أستغرب نفسى وأنا أكتب الآن عنه باعتباره ميتا»، نجم بالنسبة لى ليس الشاعر العظيم الذى تعرفونه وتعرفون قدره ومنزلته، ولكنه كان لى سنداً حقيقياً طوال حياتى، كان أباً وصديقاً ونديماً ومعلماً عشت معه فى بيته بحوش قدم أجمل سنوات عمرى، كان كريماً فى محبته للناس، لا يحمل ضغينة لأحد، يغضب مثل الأطفال وينسى مثل الأطفال، لأن الأطفال سعداء وحزانى، لم يكن مشغولاً بالمجد الذى يبحث عنه المشغولون بالمجد، وعاش «يطبطب» علينا ويسخر من الحزن الذى يجعلنا أحياناً غير قادرين على التنفس، كان يبدو متماسكاً أمام الموت وفقد الأحبة، وعندما يخلو إلى نفسه يبكى كما ينبغى أن يبكى الرجال، شاهدت ذلك بنفسى أكثر من مرة، مرة واحدة فقط فعلها أمام الناس، فى سبتمبر 2005 مع تشييع جثامين أصدقائنا شهداء محرقة بنى سويف، كان يعد النعوش ويشير إليها ويبكى بصوت عال، وهو يسأل «مكانوش فى حرب مع إسرائيل؟» بعدها ذهبنا إلى بيتى مع محمد هاشم وعادل السيوى، ومحسن حلمى، ومن المفارقات العجيبة أن «سبوع» ابنى حسن كان فى اليوم نفسه هناك تحول أمام المولود الجديد إلى طفل سماوى، ولن أنسى حالته عندما مات رفيق رحلته وصديقه الشيخ إمام عيسى، كان أهل الحارة قد أقاموا سرادقاً لتلقى العزاء بجوار سيدى يحيى، ونجم على الناصية يلعب الطاولة مع أحمد الدجوى والشيخ عبده، وكنت أذهب إليه بين الحين والآخر أستحثه أن يأتى ليأخذ العزاء، وقبل بداية التلاوة بدقائق لمحت الأستاذتين صافى ناز كاظم، ومنى أنيس قادمتين من بعيد، فقلت له، فقام مسرعاً ووقف فى صدر السرادق يستقبل المعزين، دقائق واختفى مرة أخرى، وبعد بحث ليس قليلاً دلنى أحد الأصدقاء إلى مكانه، كان فى غرفة ضيقة يبكى بأعلى صوته ويضرب على رأسه وهو يقول «آآآآآآآه ياإمام».. آآآآآآآآآه يا عم أحمد.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة