أكرم القصاص

نيلسون مانديلا رحيل المناضل الحق

السبت، 07 ديسمبر 2013 07:52 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
«فى تلك السنوات الحالكة الطويلة تحول لهفى على حرية قومى إلى لهف على حرية كل الناس، البيض منهم والسود.. كنت أعلم أن حاجة الظالم إلى الحرية أكثر من حاجة المظلوم، فالذى يسلب إنسانًا حريته يصير هو نفسه أسيرًا للكراهية والحقد.. إن الظلم يسلب كلًا من الظالم والمظلوم حريتيهما».. كانت هذه كلمات نيلسون مانديلا، الزعيم الجنوب أفريقى العظيم، بعد أن انتصر على العنصرية والقمع، وها هو مانديلا يغادر العالم تاركًا خلفه واحدة من أعظم وأنقى تجارب النضال ضد العنصرية والظلم، بالتسامح والغفران دون نسيان للماضى.

«مانديلا» الذى دفع أكثر من ربع عمره فى السجن 27 عامًا، رفض التنازل عن «إنهاء العنصرية»، ولم يقل إنه معجزة: «لم أتلق وحياً، لكنها آلاف الاستخفافات والإهانات تجمعت لتثير فى نفسى ذلك الغضب وروح التمرد والرغبة فى مناهضة النظام الذى عزل قومى واستعبدهم».

أول كلماته بعد خروجه من السجن: «أيها الأصدقاء، أيها الرفاق، يا مواطنى جنوب أفريقيا، أحييكم جميعًا باسم السلام والديمقراطية والحرية للجميع، إننى لا أقف هنا أمامكم كنبى، ولكن كخادم متواضع يخدمكم أنتم يا أبناء هذا الشعب.. إن تضحياتكم البطولية المتواصلة هى التى مكنتنى من الوقوف أمامكم اليوم، وعليه فإننى أضع ما تبقى من سنوات عمرى بين أيديكم».

فى انتخابات الرئاسة عام 94 صوّت الشعب لرمز حريته، وفاز باكتساح، وعندما جاء أوان رحيله عن الحكم، سلّم السطة فى بلاده، وظل حتى رحيله فى الرابعة والتسعين من عمره يقدم دروسًا فى الحرية والديمقراطية.

نيلسون مانديلا جمع بين النضال والبراجماتية السياسية، ويرى أن «النظر إلى المستقبل والتعامل معه بواقعية أهم بكثير من الوقوف عند تفاصيل الماضى المرير».

«مانديلا» عارض مطالب السود بالتفرغ للانتقام، وكان الخيار الأمثل، ولولاه لانجرفت جنوب أفريقيا إلى الحرب الأهلية أو إلى الديكتاتورية.. شكّل لجنة «الحقيقة والمصالحة» التى جلس فيها المعتدى والمعتدى عليه، وتصارحا، وسامح كل منهما الآخر.

«مانديلا» لا يطلب نسيان الماضى، فـ«التسامح الحقيقى لا يستلزم نسيان الماضى بالكامل.. لا نريد أن نهمل حساب المفسدين والمجرمين، لكن فقط نريد أن نفكر فى الهدف.. بناء دولة العدالة وإنهاء دولة الظلم»، ويرى أن «البناء يحتاج إلى الجميع، ولا يمكن بناء الدولة بأيدى فصيل أو قبيلة أو لون أو عرق، بل الكل».

فى التسعين من عمره أجرت معه مجلة «التايم» حديثًا عن أهم دروسه فى القيادة، أهمها كان أن «الشجاعة لا تعنى انعدام الخوف.. إنما تعنى تشجيع الآخرين لتجاوز الخوف»، و«احرص على وجود أنصارك بقربك، ومنافسيك أقرب إليك».. لم يستبعد أو يسحق منافسيه، بل رآهم شركاء.

أما أهم دروسه فهو أنه «لا يوجد فى السياسة إما / أو، فالحياة أعقد من أن تأخذ حلاً واحدًا، فلا شىء اسمه الحل الوحيد، بل خليط من الحلول يصنع معًا حلاً صحيحًا»، أما أهم دروسه فهو أن «التراجع وقت الخطأ من صفات القائد»، ويعترف بأنه تراجع واعتذر عن قرارات أثبت الواقع خطأها.

هذا هو «مانديلا» الذى دفع ثمنًا غاليًا لحرية بلاده، ولم يسعَ لحصد كل ثمار ثورته.. واجه نظامًا عنصريًا، وحكم بلدًا يزدحم بالأعراق والألوان والأحقاد.. نجح إلى درجة كبيرة، وبعد رحيله ما يزال مثالًا للمناضل الذى ينظر للمستقبل دون أن ينسى الماضى، ومايزال درسًا فى الكفاح والبناء.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة