د. نعمان جلال

وامحمداه.. صيحة للقرن الحادى والعشرين

الجمعة، 01 فبراير 2013 11:19 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقد شهد أواخر القرن العشرين بروز ظاهرتين بالغتى الخطورة والأهمية هما: الثورة الإسلامية الإيرانية بقيادة المرشد الأعلى الإيرانى واتجاهه لتصدير الثورة وفى مقابل ذلك أو بموازاة الصعود للإسلام السلفى مستفيدا من طفرة النفط، ومن التدخل السوفيتى فى أفغانستان ومن رفع مفهوم الجهاد ضد الكفار.

وإذا كان الصراع على المنطقة العربية آنذاك هو صراع مصيرى بين قوتين رئيسيتين الأولى هى الاتحاد السوفيتى وكتلته الاشتراكية ضد الولايات المتحدة وكتلتها الرأسمالية فإن القوة الثانية كانت إسرائيل الصهيونية ضد الفلسطينيين، وفى قلب الصراع بشقيه القومية العربية والتحرر السياسى وبناء نموذج عربى للديمقراطية يأخذ فى الحسبان التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية.

ومع اشتداد الصراع بين الأطراف ومع بروز الضعف العربى بعد هزيمة 1967 أصبحت المنطقة العربية أرضاً للصراع، ومن ثم تهميشها بصراع مفاهيم الرفض والممانعة والصمود والتصدى مقابل مفهوم السلام العربى الإسرائيلى كخيار إستراتيجى، وإذا أسفر المفهوم الثانى عن تحرير الأرض المصرية فى سيناء مع ضوابط للتواجد العسكرى المصرى فإن المفهوم الأول أسفر عن مشكلة كبيرة، فلم يحدث الصمود والتصدى بل خضعت معظم دول ذلك المعسكر لديكتاتورية خطيرة ودخلت فى صراع جديد بين مفهومى تصدير الثورة الإيرانية والسلفية والجهادية العربية، مما أضعف تلك الدول جميعا رغم ثرواتها وجعلها فريسة للفكر الطائفى السياسى حتى أصبح من المفارقة أن تتحول الأحزاب اليسارية والقومية والبعثية فى الخليج إلى الاحتماء فى الفكر الطائفى والممارسات الطائفية تحت عباءة الإصلاح والديمقراطية لمراكز الأبحاث الأمريكية، وهكذا اجتمعت المتناقضات، كما عبر عنها الفيلسوف الألمانى هيمبل وليس كما عبر عنها المفكر الألمانى كارل ماركس، وولدت لنا طائفية ديمقراطية جديدة فى المشرق العربى، ثم مع ثورات الفوضى الخلاقة التى انطلقت من تونس ومصر وامتدت إلى ليبيا ظهرت طائفية جديدة حافظة لم تكن معروفة فى شمال أفريقيا من قبل السؤال الذى نطرحه وندعو إليه هو ضرورة وجود صحوة ديمقراطية حقيقية فى ظل إسلام سليم يعتمد سيرة النبى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، عندما قام بالمؤاخاة بين الأنصار والمهاجرين، ثم عندما أطلق صحيفة المدنية ليبرز مفهوم الوطنية والمواطنة المتساوية والمتكاملة لأهل المدينة المنورة (يثرب) ونحن الآن على أعقاب مرحلة جديدة من الصراع الطائفى السياسى فى الشرق الأوسط والمنطقة العربية شرقا وغربا بفضل مفاهيم الإسلام السياسى، وما تولد منه من فكر سياسى وطائفى عقيم يؤدى بنا إلى صراع مثل حرب داهس والغبراء التى امتدت ثلاثين عاما حتى ثاب العرب إلى رشدهم، وحرب البروتستانت والكاثوليك فى أوروبا والتى امتدت ثلاثين عاما حتى التوصل إلى صلح واتفاقيات وستفاليا عام 1648 وتنحية المفهوم الدينى وسيطرة بابا الفاتيكان على الأنظمة السياسية المدنية التى تعتمد مفهوم سيادة الكاثولكية الذى ساد فى العصور الوسطى وتدخل الكنيسة فى تنصيب الملوك ومنح صكوك الغفران.

للأسف فى العالم الإسلامى اليوم نعيش عصر صكوك الغفران الإسلامية من كلا الطائفتين السنية والشيعية حتى المرجع الأعلى أو المرشد الأعلى بصلاحيات أعطاها لنفسه وعصمته لذاته وتحصين لقراراته.

هل يمكن للمفكرين والأكاديميين وذوى الاتجاه العقلانى أن يطلقوا لنا صيحة جديدة بعنوان "وامحمداه" للعودة للإسلام الصحيح أو الذى أطلق عليه الدكتور محمد سليم العوا فى أحد مؤلفاته "إسلام بلا مذاهب" هذا لا يعنى التخلى عن المذاهب الدينية فهذه جميعا اجتهادات للفقهاء يجب أن تقتصر على العبادة، وما يرتبط بها من شعائر ولكن ينبغى أن تبتعد عن خلط الدين بالسياسية أو السياسة بالدين، فلكل منهما مجاله وممارسته التى تختلف عن الآخر، فالسياسية نسبية وخلافية وصراعية وتداولية، وهى مجال بشرى، أما الدين فهو مطلق ومقدس فى أساسياته وليس فى اجتهادات الفقهاء الذين، كما ورد فى أطروحات العلماء السابقين كل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا النبى صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك فإن أصول الفكر الإسلامى الصحيح فى القرآن الكريم: "قل إنما أنا بشر مثلكم" فالرسول بشر مثل سائر البشر وتميزه وعصمته فيما يبلغ عن ربه من قرآن: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون"، ولم يرد على المسلمين بعد ذلك سوى أحاديث نبوية لها مصداقيتها وفقا لدقة الروايات الشكلية والمضمون الموضوعى لمعانيها ومدى تماثله مع القرآن الكريم.

إن آراء الفقهاء الكرام والعلماء الأفاضل لها اعتبارها، ولكنها تتغير بتغير الأماكن والأزمان والظروف والملابسات، وأكد ذلك النبى الكريم بقوله لمعاذ بن جبل عندما أرسله إلى اليمن عندما قال: "بما تحكم يا معاذ ؟". قال معاذ: "بكتاب الله ". قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "فإن لم تجد ؟". قال معاذ: "بسنة رسول الله". قال الرسول – صلى الله عليه وسلم: "فإن لم تجد؟"، قال معاذ: "أجتهد رأى ولا آلو"، فأقره النبى على ذلك وأيضا فى قوله صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بشئون دنياكم"، وفى آيات القرآن الكريم الداعية للعلم والتفكر والتأمل فى خلق الإنسان وخلق السموات والأرض وسائر الكائنات.

إن إعمال العقل لدى المسلمين هو الكفيل بالخروج من التخلف الراهن وتحقيق التقدم، وأعمال الفقه العقلى والاستدلال المنطقى فى المستجدات هو الوسيلة السليمة للتعامل والتوفيق بين العقل والنص والوصول للرأى الدينى السليم، كما قال الإمام أبو حنيفة رحمة الله "نحن رجال وهم رجال" وكما قال الإمام على بن أبى طالب رضى الله عنه وكرم وجهه وعليه السلام وسائر صحابه النبى الكريم: "لا تجبروا أولادكم أن يكونوا أمثالكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، ولست فى حاجة لتأكيد أن صلاحية السلام لكل زمان ومكان مرهونة بالتفسير العقلى والعقلانى المتجدد للنصوص الإسلامية، وعدم الانغلاق فى تفسير واحد وكذلك فى عدم إخضاع السياسى للفكر الدينى مع احترامها الكامل لأصول ومبادئ الشريعة الغراء، كما وردت فى القرآن الكريم والسنة الصحيحة وليس وفقا لاجتهادات الفقهاء.

إن ذكرى ميلاد النبى الكريم التى هلت علينا خلال الأيام الماضية تدعونا لإعادة التفكير فى مواقفنا وخلافاتنا وصراعاتنا، ونردد قوله صلى الله عليه وسلم لقبيلتى الأوس والخزرج عندما تشاحنا "أجاهلية وأنا بين ظهرانيكم" وقوله "ليس منا من دعا إلى جاهلية".

إننى أعتقد أن الفكر الطائفى السياسى هو دعوة حديثة للسلوكيات الجاهلية وأدعو الله أن يهدينا جميعا لسواء السبيل حتى يمكننا حقن دماء المسلمين بطوائفهم المختلفة والتعايش السلمى داخل أوطاننا بين جميع الطوائف والعقائد والأديان حتى لا ننساق فى حرب داهس والغبراء فى القرن الحادى والعشرين، ويعاد تهميشنا ويعاد احتلالنا ويستمر نهب مواردنا وثرواتنا وضياع ثقافتنا وعقيدتنا السمحة الغراء.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة