د. محمد على يوسف

إغلاق!!

الأربعاء، 13 فبراير 2013 07:23 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لقد وصلنا إلى مرحلة حرجة. مرحلة أراها الأخطر من بين كل ما سبق ومررنا به، وخضنا غماره فى سفينة هذا الوطن، وحالة أعتقد أنها أقرب ما تكون لحالة الإغلاق!! والإغلاق - لمن لا يعرفه - هو مصطلح شرعى يُطلق على حالة من الغضب المُعمى، التى إن وصل إليها الزوج، فإن طلاقه لا يقع، لقول النبى صلى الله عليه وسلم «لا طلاق ولا عتاق فى إغلاق»..

والمقصود هنا بتلك الحالة أن حواس الغاضب ومداركه وتفكيره تتعطل تماماً، فلا يدرى ماذا يقول، ولا يدرك أبعاد ما يفعل، فيصير فى موقف أشبه بشلل عقلى مؤقت يسقط عنه التكليف ويرفع عنه القلم..أعتقد أننا فى مصر نسارع إلى حالة شبيهة، غير أننى لا أملك أن أقول برفع التكليف فيها، ذلك لأننا ماضون إليها بإصرار وإدراك تام لمآل ذلك المُضى. لعلى لا أكون مبالغاً أو متشائماً إن قلت إننا لم نصل لهذه الدركات من قبل، ولا حتى فى أحلك فترات مصر ما بعد الثورة، وربما قبلها. إغلاق فكرى، وإغلاق سياسى، وإغلاق اقتصادى، وإغلاق حوارى، وإغلاق أخلاقى، وتباً لذاك الأخير. لا أحب أن أسود المشهد فى وجه قارئى، ولم تكن تلك طبيعتى قط، ولكننى هذه المرة أجد نفسى مضطراً للمصارحة. لا يمكننا أن نستمر هكذا..

لن نستطيع أن نكمل الحياة بهذه الطريقة.. إن الرجل الذى أغلق الغضب عليه حواسه فى مشاجرة أو عراك، إن لم يجد من يمسك بمنكبيه، ويهزهما منبهاً إياه لتلك الحالة التى تسارع إليه ويسارع إليها، فيمتص غضبته ويهدئ من روعه مذكرا إياه بالاستعاذة من الشيطان الرجيم الذى رضى بالتحريش بين المؤمنين فإنه قد يحدث ما لا تحمد عقباه ولربما يندم حين لا ينفع الندم. نرى هذا الندم دوما، حين يأتى ذلك الغضوب مطأطئاً رأسه فى حسرة مستفتياً يريد مخرجاً شرعياً مما وقع فيه حال الإغلاق، ولئن وجد له الفقيه رخصة أو مخرجاً فى أمر، فلربما لا يجد له فى أمور. ومن هنا تأتى المصائب ويكمن الخطر!

قد تحتمل البيوت تلك الحالة المتفجرة التى تعمى وتصم صاحبها مرة أو مرتين، لكن الأوطان لا تحتمل. إن شعور الغضب المضطرم فى الصدور والذى تؤججه العديد من العوامل والجهات، وتساهم فى إشعاله أخطاء وزلات وربما حماقات، لابد أن ينتهى إلى تلك الحالة المريعة، حالة الإغلاق. وإغلاق الحواس مرحلة متقدمة، يسبقها إغلاق آخر أشد خطورة، وهو للأسف ما نعانيه اليوم بشكل واضح، ألا وهو إغلاق العقول والقلوب، نعم لقد وصل كثير منا إلى إغلاق تام تجاه الآخر، وهذا يشمل جميع التيارات، لقد أغلقنا قلوبنا وعقولنا بمتاريس من الكراهية السوداء، والبغض المظلم، وسوء الظن النكد، والذكريات المؤلمة، والاتهامات الجاهزة والمعلبة من كل فريق للآخر. وأكرر لن نستطيع الاستمرار هكذا، لابد أن نبحث عن مفاتيح، لابد أن تقوم منا طائفة لتكسر تلك الأقفال قبل أن تتعاظم، وتتحول إلى سدود هائلة تشق جسد الأمة، لابد أن نزيح غشاوات عن أعيننا، ووقراً عن آذاننا، وقسوةً عن قلوبنا، ونستعيذ بالله ربنا من شر تلك الفُرقة والكراهية العميقة، التى تكاد غمراتها أن تبتلعنا جميعا. لابد أن نخفض من صوت هذا الضجيج المدوى، لكى نستطيع أن نميز بين الأصوات المختلطة فى ذلك الصخب المريع، لعلنا نسمع لبعضنا البعض، لعلنا نتكلم، و«نفضفض»، ونتعاتب، وربما نتشاجر لكن فى إطار من إرادة الإصلاح، التى إن وجدت فقد وعد الله بالتوفيق. حينئذ يعتذر المخطئ، ولربما يعاقب، أو ينال عفواً من أخيه. لكن بشرط: أن نفتح الباب ونتكلم ونسمع. لن أغرق فى مثالية المدينة الفاضلة أو يوتوبيا كما يسمونها، فسنبقى جميعاً بشراً نخطئ، ونصيب، ونغضب، ونسامح، لكن ليس بديل المثالية الحالمة أن نسلم بواقع أسود يكلله هذا الإغلاق. لابد أن نتدارك أنفسنا، وأن نمسك بتلابيب مشاعرنا، التى قد تغشى آذاننا وأعيننا، فلا نسمع، ولا نبصر، ولا نتكلم، ونظل كما يريد لنا البعض على تلك الحالة من الإغلاق. لا زالت هناك فرصة أن ننفض عن أنفسنا هذا الإغلاق، فمهما غلظت المتاريس وعلت السدود وتعاظمت المغاليق، فإن اليأس مرفوض والأمل باقٍ و«ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها».








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة