يتشكك الواحد أحيانا فى هؤلاء الناس الذى ينصرون الحاكم ظالما أو مفتريا، إذ لا مجال للحاكم أن يكون مظلوما، إلا إذا كان يظلم نفسه، وحتى فى هذه الحالة فإن ظلمه لا ينصب على نفسه فقط، وإنما يمتد إلى المحكومين أيضا، ومنبع التعجب هنا، هو أنه من المفترض أن مناصرى الحاكم يعيشون معنا، ويتنفسون نفس الهواء الملوث الذى نتنفسه، ويأكلون نفس الأكل الفاسد الذى نأكل، ويكتوون صباح مساء بنار الأسعار المرتفعة التى نكتوى بها، لذا فلا أفهم كيف يناصر «محكوم» حاكما، وهو يرى سياسته وهى تكويه وتعذبه وتحرم أطفاله من اللقمة، وأخوته من «الكرامة»، وأباه وأمه من العلاج، اللهم إلا إذا كان هذا الحاكم وأنصاره مجرد «عصابة» يتشاركون فى النهب، ويتقاسمون الغنيمة.
انظر معى إلى تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، الصادر أمس الأول لتعرف إن من يدافعون عن الحاكم وحكومته مجرد «عصابة»، وإن هذا الغلاء الهستيرى الذى نعيشه من المؤكد أنه يصب فى مصلحتهم باعتبارهم تجارا أو مستوردين، وأرجوك أن تضع فى الحسبان، أن هذا الجهاز مصلحة حكومية تابعة للحكومة، ومهمته هى تقديم الإحصائيات والبيانات للرأى العام، ولصناع القرار، لكى يعملوا على أساسها، وقد أكد الجهاز أن معدل التضخم ارتفع فى شهر يناير الحالى فقط بنسبة %1.8 كما ارتفعت مجموعة الكهرباء بنسبة %35.7 متأثرة بارتفاع الغاز الطبيعى، وارتفعت شرائح الكهرباء إلى %16.2، كما ارتفع سعر الأسماك بنسبة %15، وارتفع سعر اللبن بنسبة %10.1، وارتفع سعر البيض بنسبة %24.5، وارتفع سعر الذهب بنسبة %11، وارتفع سعر اللحوم بنسبة %10، كما ارتفعت أسعار الدواجن بنسبة %21، وارتفعت أسعار الخضروات بنسة %7.7، وارتفعت أسعار السيارات بنسبة %6.2، كما ارتفعت أسعار الحبوب بنسبة %3.1، وارتفع سعر الرز بنسبة %11.7، وارتفع سعر المكرونة بنسبة %13.5، وارتفع سعر الدقيق بنسبة %15.4، كل هذا ولم يدخل مشروع قانون الضرائب الجديد فى حيز التنفيذ، والذى من المتوقع أن يضاعف هذه النسب أضعافا مضاعفة، وأن تقفز فى ظله الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة، أضف إلى ذلك ما سنشهده بناء على تعليمات صندوق النقد الدولى، من ارتفاع فى أسعار الدولار والذى سيزيد «الطين بلة».
لا تسأل هنا ماذا تفعل الحكومة ورئيسها ورئيس رئيسها ورئيس رئيس رئيسها، فكلهم مشغولون بالظهور فى البرامج الحوارية، والضغط على الصحف والفضائيات من أجل تلميع صورة الحكومة، وإخراس معارضيها، وملاحقة كل الإعلاميين بالقضايا أو الضغوط أو التهديد أو الاسترضاء والتقرب، فقد تركت الحكومة أسباب اليأس والعنف وأمسكت فى دينا عبدالفتاح، وقناة التحرير، لتلاحقهم بالقضايا، كما انتهك رئيس رئيسها القانون، وجعله مطية بالية، وتفرغ لملاحقة إبراهيم عيسى، بل أراد السادة نواب مجلس الشورى أن يشلوا الإعلام من منبعه، وأن يراقبوا القنوات الفضائية، وهو الأمر الذى كاد أن يودى بعقل الزميل جابر القرموطى فى برنامجه «مانشيت»، والأدهى من ذلك، هو أن تلك الحكومة لا تتورع عن استغلال مركزها لتضغط على مؤسسات الدولة من أجل أن تقوم بدور تلميعى لوزرائها الفاشلين، وخططها الوهمية، ومثال ذلك ما حدث فى معرض الكتاب الذى ألغيت فيه الندوة السنوية لوزير الثقافة، التى كان يلتقى فيها بالمثقفين وحل محلها يوم كامل جاء فيه مجلس الوزراء بأكمله ليلتقى بالجمهور، تاركا أعماله ومصالح الناس المرتبطة به، فى تجسيد واضح لفكرة أنه «مش مهم الشغل المهم الإعلام».
الحقيقة المؤلمة هى أن تلك الحكومة المعقمة، لا تعرف كيف تعمل، ولا تعرف ماذا يعنى العمل، ولا تملك خطة استراتيجية للعمل، وليس لديها ما تقدمه، لذلك لا تفعل شيئا غير أن تهاجم الإعلام من ناحية، وتتكالب على الظهور فيه من ناحية أخرى، رافعين شعارا موحدا هو: ليه تحارب الفقر لما ممكن تهاجم الإعلام؟