د. نعمان جلال

إدارة الدولة وإدارة الغضب.. المبادئ العشرة فى إدارة الدولة (1)

الجمعة، 15 فبراير 2013 10:43 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عرفت العلوم الحديثة أنواعا متعددة من المعارف والمصطلحات ولعل من أحدث تلك المصطلحات مصطلح "إدارة الغضب"، وهناك بالطبع المصطلح التقليدى هو "إدارة الدولة"، ومن هنا أحاول فى هذا المقال تقديم تصور للارتباط بين هذين المصطلحين استنادا للحالة المصرية الراهنة.

إن الإدارة الرشيدة للدولة Good Governance تعنى قيام السلطة الشرعية الدستورية باحترام الأسس العشر التالية فى إدارتها للدولة:

الأول: احترام الدستور والمؤسسات الدستورية وبخاصة سلطة القضاء وأحكامه، لأنه أحد الملاذات المهمة للعدالة. ومن المؤسسات الدستورية السلطة التشريعية (مجلس النواب ومجلس الشورى) والسلطة التنفيذية الممثلة فى رئيس الحكومة وما يتبعها من أجهزة ومؤسسات رسمية.

الثانى: احترام رئاسة الدولة لمهامها الشرعية وعدم الاحتكام أو الاستماع أو إشراك أى مؤسسة غير دستورية فى أعمالها، سواء كانت حزبية أو غير حزبية، فالدستور يتحدث عن أن إدارة الدولة هى مهمة رئيس الدولة، أما الأحزاب والجمعيات والحركات المتصلة بالمجتمع المدنى فهى جزء من النشاط السياسى التنافسى من أجل الوصول للسلطة، هذا التنافس مشروع فى أى مجتمع ديمقراطى، ومن ثم لا يحق لمن فى السلطة إن يتهم خصومه بالعمالة أو الخيانة أو التخريب أو نحو ذلك من المصطلحات ما لم يقم دليل مادى على ذلك، ويحال الشخص المتهم للقضاء كما لا يحق لحزب معين أن يتهم خصومه ومنافسيه بمثل تلك المصطلحات مثل الكفر والخروج على الشرعية أو الدين أو استخدام مثل تلك الشعارات التى لا تعبر عن روح الدستور أو أى نظام سياسى حديث.

الثالث: تركيز قيادة الدولة على إدارتها وتحقيق الحد الأدنى من مهامها، وهى الأمن والاستقرار الداخلى، والأمن الوطنى المرتبط بالحدود، وتحقيق العدالة باحترام رجالها ومؤسساتها وتنفيذ إحكامها وعدم التدخل فى إدارتها لأعمالها وأى تدخل فى ذلك من قبل السلطة التنفيذية فى أعمال القضاء يجب أن يعتبر جريمة، يعاقب عليها القانون.

الرابع: احترام حقوق الإنسان ومؤسسات المجتمع المدنى والأهلى وعدم السماح لأى مؤسسات للافتئات على هذه الحقوق مع مراعاة الضوابط القانونية المعتادة دون مبالغة فى أنشطة تلك المؤسسات من حيث طريقة عملها والمحاسبة على مواردها، لأن ذلك كله ملك للشعب حيث ينبغى أن تحصل هذه المؤسسات على أموالها من الشعب، وليس مصادر التمويل الأجنبى الذى عادة ما يرتبط بأجندة خارجية إلا فى أضيق الحدود، حيث تصبح مصادر التمويل الأجنبى لمنظمات المجتمع المدنى مثل المساعدات فى برامج واضحة ووفقا لقواعد محدودة ومراقبة دقيقة من الأجهزة المحاسبية لذلك. وهذا بدوره ينطبق على التمويل الأجنبى للدولة أو أى من مؤسساتها خاصة بالنسبة لمصر كدولة نامية وتعيش أزمات اقتصادية، ولكن هذا التمويل ينبغى أن يدخل ميزانية الدولة ويتابع من الأجهزة الرقابية والمحاسبية لأوجه الإنفاق الخاص به والشروط الموضوعة لذلك.

الخامس: التركيز فى إدارة الدولة على الانجازات الحقيقية ومحاسبة من يقدم بيانات عن إنجازات وهمية وإحصاءات مزورة، فقد عانت مصر من ذلك وما تزال تعانى من تصريحات بإنجازات وبيانات غير موثقة من بعض المسئولين الكبار.

السادس: العمل على تشجيع القطاع الخاص للمساهمة فى الأنشطة التنموية ووضع ضوابط له للمساهمة فى الأنشطة الاجتماعية والثقافية، استنادا لمبدأ المسئولية الاجتماعية للقطاع الخاص Social Responsibilities.

السابع: احترام مهام كل جهاز من الأجهزة السيادية وبخاصة القوات المسلحة والشرطة والقضاء والخارجية، فهذه الأجهزة يجب أن تكون محايدة فى أعمالها لأنها تعبر عن الدولة، وليس عن حزب أو جماعة، ويجب استخدام الخبراء وذوى الكفاءات فى هذه الأجهزة، وأى انحراف يجب المحاسبة عليه، وفى نفس الوقت لا يجب التدخل من السلطة التنفيذية أو التشريعية أو الأحزاب فى أعمال تلك الأجهزة، إلا وفقا للقواعد المتعارف عليها فى الأنظمة الديمقراطية، ففى الولايات المتحدة، فإن وزير العدل مع كونه عضوا فى الجهاز التنفيذى، إلا أن له مكانة خاصة فى التحقيق حتى ضد رئيس الدولة، وكذلك الأمر فى إسرائيل، ولهذا يجب أن يتمتع بوضع خاص، وأن يتم اختيار ذوى الكفاءة والحياد والنزاهة لمثل هذا المنصب. ونفس الشىء ينطبق على أجهزة الاستخبارات فدورها حماية الدولة والشعب ضد الإخطار الداخلية والخارجية بالوسائل الاستخباراتية المعروفة وليس بأساليب القمع وإجبار المتهمين على الاعتراف بذنوب لم يرتكبونها وذلك من خلال التعذيب الذى هو محرم وفقا للاتفاقيات الدولية ووفقا للشريعة الإسلامية.

الثامن: إدارة الدولة تكون بخلق ثلاثة أنواع من الفرص. فرص للمواطن بإظهار إبداعاته الثقافية والعلمية ومبادراته الاقتصادية واحترام ذلك كله والسماح له بتطويره وكثيرا من الدول حققت تقدما عبر المبادرات والإبداع الفردى علميا وفكريا وأدبيا ويجب عدم قمع حرية التعبير من أية جهة، فهذا يقتل الإبداع والابتكار العلمى والفنى والأدبى والاقتصادى وغيره.

النوع الثانى من الفرص هو أتاحة فرصة التعليم الراقى السليم وفقا لمناهج حديثة وأساليب تعليم حديثة وليس وفقا لنظريات الكتاتيب أو النظريات الشمولية التى قضت على التعليم فى مصر فى مراحل سابقة. التعليم السليم هو تعليم التفكير والإبداع وتقدم الحلول للمشكلات وليس الحفظ بالذاكرة ثم نسيان المنطق من وراء العلوم. فالكمبيوتر وغيره من المبتكرات الحديثة جعلت مسألة الحفظ لا قيمة حقيقية لها فالتفكير العلمى هو الأساس.

النوع الثالث من الفرص هو فرصة التظاهر السلمى ورفض أى خروج غير منظم أسوة بما يحدث فى البلاد المتقدمة.

التاسع: إدارة الدولة تقوم على التناوب واحترام صناديق الاقتراع غير المزورة من المؤسسات المشرفة على الانتخابات أو المؤسسات الراعية لذلك والحامية لها. فوزارة الداخلية المصرية اعتادت فى السابق على تزوير الانتخابات، وهذا أساء لسمعة مصر، وللأسف ما تزال بعض دول تلك الممارسات قائمة، وكذلك هناك التزوير بالأساليب المبتكرة عن طريق الابتزاز والخداع، ومن ذلك الخداع باسم الدين أو باسم الوطن أو باسم الأمن أو بالرشاوى المالية والاقتصادية والغذائية، أو بالوعود الكاذبة ونحو ذلك، ومن أساليب الخداع وتشويه لسمعة المتنافسين كل هذه يجب أن تكون جرائم يعاقب عليها، ومن أساليب الخداع ما عرف بمبدأ البرلمان سيد قراراه، ويجب أن يكون الاحتكام فى صحة إجراءات الانتخابات والرقابة عليها وإعلان النتيجة لمؤسسة قضائية ومستقلة استقلالاً حقيقيا ولا معقب على قراراتها، إلا وفقا لإجراءات قانونية دقيقة، ويجب إبعاد السلطة القضائية عن الإشراف على الانتخابات وإنشاء مفوضية أو جهاز خاص لذلك وهذا ما يحدث فى الدول الديمقراطية، كما يجب حماية القضاء من إغراءات السلطة بمناصب استشارية فى وزارات الدولة ومؤسساتها، ونفس الشىء ينطبق على الشرطة والقوات المسلحة مع مراعاة الضوابط اللازمة ومعاملة هؤلاء معاملة قانونية عادلة كمواطنين مثل غيرهم بعد إحالتهم على التقاعد سواء فى العمل السياسى أو الإدارى بالدولة.

العاشرة: احترام المؤسسات الدينية وهى ذات تاريخ عريق فى مصر سواء الأزهر أو الكنيسة القبطية، وتطوير الأزهر ليكون جهازا أكثر استقلالية، وأن تكون إدارته من علمائه أسوة بما يحدث فى الكنيسة القبطية مع التأكيد على أن مصر دولة ديمقراطية حديثة تحترم الحريات الدينية لكافة أفراد الشعب ومذاهبهم دون تمييز. تلك هى العناصر العشرة فى فلسفة إدارة الدولة.

وأنا لم أتحدث عن المرأة أو الشباب أو الأقباط فهم جزء لا يتجزأ من المواطنين لهم كافة الحقوق دون تمييز بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الطبقة أو التعليم أو الإقليم أو غير ذلك من وسائل التمييز. ونواصل الحديث عن إدارة الغضب فى المقال القادم.

* باحث فى الدراسات الإستراتيجية الدولية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة