فى عام 2010 أدى إهمال هيئة تمريض وأطباء وإدارة بعض المستشفيات العامة البريطانية إلى عدد من الوفيات بين المرضى، وكان آنذاك يحكم بريطانيا حزب العمال، ولكن لم يتم اكتشاف هذه الفضيحة إلا منذ شهور، وبعد أن تولى رئاسة الوزراء ديفيد كاميرون الذى يمثل حزب المحافظين، وهو الحزب المنافس لحزب العمال، وغريمه السياسى، أى أن هذه الفضيحة تخص حزب العمال، ولا علاقة لكاميرون ولا حكومته ولا حزبه بها، ورغم هذا وقف رئيس الوزراء منذ أيام أمام مجلس العموم البريطانى يعتذر للشعب الإنجليزى عن جريمة لم يرتكبها، وذنب لم يقترفه، ولكنه كمسؤول الآن رأى أن من واجبه الاعتذار، ولم يتخذها فرصة ليقول هل رأيتم ماذا فعل بكم الحزب المنافس وخيبته، هل تتعلمون ألا تنتخبوه ثانية.. لم يقل الرجل هذا ميراث تركته لنا حكومة حزب العمال فماذا نحن فاعلون.. لم يفعل كاميرون، ولم يقل أيا من هذه العبارات، بل فعل شيئا واحدا، اعتذر وحدد فى مجلس العموم خطة حكومته لتلافى أخطاء العناية الصحية بالمواطن فى المستشفيات العمومية.
والأهم من اعتذار كاميرون، رئيس الوزراء، كان اعتذار إدوارد ميليباند، زعيم المعارضة حاليا، والتى كانت فى كرسى الحكم فى 2010 حيث حدثت الواقعة. اعتذر الرجل نيابة عن حزبه الذى كان يحكم، ولم يعمل «ودن من طين وودن من عجين»، ويستهبل ويعمل مش واخد باله، ويلبس الحزب الحاكم الآن مسؤولية الاعتذار. اعتذر ميليباند عن الماضى، واعتذر كاميرون، فى بلاد الكفرة الفجرة يا أيها الرئيس المؤمن المصلى الحافظ للقرآن المسؤول عنا، متى تعتذر فقط عن قتلى فى الشوارع، وقتلى فى القطارات، وقتلى من الضغط والسكتة القلبية بسبب القهر، متى تعتذر مثلما يفعل هؤلاء الكفرة الفجرة؟
فى نفس بلاد الكفرة الفجرة التى تجيز زواج المثليين، وتسمح بالخمر، وإقامة علاقة خارج مؤسسة الزواج، والاعتراف بأبناء السفاح، فى هذه البلاد ذاتها منذ أيام استقال أحد أشهر زعماء حزب الديمقراطيين الأحرار، الشريك فى الائتلاف الحكومى مع حزب المحافظين، وهو كريس هيون، من البرلمان، بعد ساعة واحدة من اعترافه أمام المحكمة بأنه كذب، وهو ينتظر حكما بالسجن لتضليل القضاء، والتأثير على سير العدالة.
وكان النائب «هيون» حتى العام الماضى وزيراً للطاقة، وقد اضطر للاستقالة حين كشفت الصحافة فضيحة كذبه، وها هو بعد اعترافه بالكذب بشكل رسمى يستقيل من آخر منصب عام ربما سيتقلده فى حياته، فبعض الأخطاء قد تمرره هذه الشعوب إلا الكذب، فهو خطيئة لا تُغتفر.
وقصة كذب «هيون» قصة تبدو درامية ضاحكة، ولكنها تستحق أن تروى، فكريس هيون كان متزوجا من سيدة منذ سنوات، وكانا يستقلان سيارتهما، وجاوزت السيارة السرعة المقررة، وسجل البوليس هذه المخالفة التى من شأنها أن تتسبب فى سحب رخصة القيادة من قائد السيارة، وكان قائد السيارة هو «هيون»، وحتى لا يتم سحب الرخصة منه اعترفت الزوجة بأنها هى التى كانت تقود السيارة، مما أنقذ «هيون» من العقوبة، ومرت السنوات ليتعرف «هيون» على سيدة أخرى، ويهجر زوجته وأم أبنائه ويطلقها ليتزوج من الأخرى، فتقرر الزوجة الغيورة أن تنتقم منه وتعترف بأنها ساعدته فى الماضى على الكذب فى مخالفة مرور، خللى بالك مخالفة مروووور!
الوزير والنائب كما قالت عنه الصحافة البريطانية كذب ونافق، كذب لأنه لم يقل الحق حين تم سؤاله عمن كان قائد السيارة حين تجاوز السرعة، ونافق لأنه فى أحد أحاديثه تحدث عن أهمية الأسرة، وتماسكها بالنسبة للمجتمع، وها هو يهجر زوجته وأبناءه من أجل امرأة أخرى!
إذن، فى بلاد الكفرة الفجرة الوزير والنائب والمسؤول يستقيل إذا كذب، حتى لو كانت بمنطقنا «كذبة بيضة» لا ضرر منها، ولا ضرار، وكانت فى أضيق الحدود، وليس على رؤوس الأشهاد.
يا أيها الرئيس المؤمن المصلى الحافظ للقرآن، والذى تتبع النبى الأمى، صلى الله عليه وسلم، الذى عرفه الكافر قبل المؤمن بأنه الصادق الأمين، فى بلاد الكفرة الفجرة يستقيل أصغر مسؤول على أهيف كذبة، لأن الكذب يدمر المركز السياسى للشخصية ويجعلها شريرة أمام الناس، فما بالك أنت بمن لا يتحرك له جفن بداية من النهضة، لناسا، للمعارضة والمتظاهرين الممولين، لعشرات فى الحكايات التى تخلو من ذَرة صدق.
اللهم إن كان الكفرة الفجرة هم الصادقين المعتذرين عن الخطأ والخطيئة، فاجعلهم لنا حكاماً، وخلصنا من الحكام المؤمنين المصلين الحافظين للقرآن دون جدوى.